كثيرة هي السبل لدخول التاريخ, وتتعدد الوسائل لصنعه, ويختلف التاريخ بحد ذاته بين مشرّف أو عار على صنّاعه, شأنه شأن الكثير من المفاهيم المتداولة, براقة في ظاهرها وامام ناظرها, وسوداوية في باطنها تنطوي على اكاذيب يجهد مدونوها المأجورون في اختلاقها, ويقف متلقوها البسيطون على حياد من تصديقها او التهليل لها, وأما من امتلك حيزا كبيرا من الفطنة والحكمة فتنال هي منه حصة في تجريدها من زيفها واظهار حقيقتها.
لذلك فإن العديد من الاحداث التاريخية تحتاج الى التدقيق لو أتيح لذوي الشأن من الباحثين ذلك، كذلك الامر بالنسبة لبعض الشخصيات التي تتحول بين رشاش ورصاصه الى اسطورة, او الى ايقونة بين تطييب الخواطر ذات حرب زهقت فيها ارواح بريئة.
اذاً, فالتاريخ كذاب إلا ما رحم ربي! وفي ما خص تاريخ الحروب العبثية اللامبدئية, فإن الصفقات والمفاوضات والوسطاء يحتلون جزءا يسيرا من مدوناته, أما المحقة والشعبية منها فلتلك حساباتها الاخرى, حيث تتزاحم على ارض المعركة مفاهيم كثيرة, بدءا برفض عدوان, مقاومة, رفض الاستسلام والرضوخ, الحرية, مرورا بالعزيمة والاصرار والتحدي, مكللة بالكرامة والشرف, ووصولا الى لملمة الجراح وتعداد الضحايا وزفهم ابطالا للنصر المحقق.
نعم, فالتاريخ ان وجد ليملأ فراغا على ورق, فلا حاجة لنا به, وان استنهض للتمجيد بالذكرى لا للاستفادة من التجربة واخذ العبر والدروس منها فنحن بغنى عن استحضاره!
على اعتاب الرابع عشر من آب, وفي العقد الثاني من انقضائه, نجزم بانه يوم ليس للذكرى, هو يمضي معنا في كل تفصيل من ايامنا, حيث كنا ولا زلنا اشرف الناس, لا زلنا احباء الامين على الارواح والاعراض, لم تزل بيوتنا ذخيرة المقاومين وحاضنتهم, ولم تزل امهاتنا تقدم قرابين النصر ملء الحب والحناجر تصدح زغاريد.
ما زلنا على ارضنا, عدنا الى احيائنا, شيدنا اسقف منازلنا, وزينّا شوارعنا بصور صانت الحاضر وصنعت تاريخ المستقبل, استعدنا اسرانا واسترجعنا رفات شهدائنا, اقتربنا نحو فلسطين اكثر فاكثر, ولا زلنا على العهد يا نصر الله, وبين ذاك وذاك وذلك, تفيض قلوبنا حبا لخبر ساخن من طعنة سكين مقدسي او حجر طفل غزاوي تموضعا في جسد صهيوني, او رشقة صواريخ اطلقها يمني جياع اطفاله, او رسالة والد لابنه المذبوح في بحرين الظلم.
ويبقى التاريخ حاضرا لأجياله, ومستقبلا لاخرى آتية من رحم ارضنا الولّادة عزا وعزة, وتبقى التضحيات لا الآمال هي ما يصنعه.

 

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع