هو يومنا.. يوم العودة المزيّنة بالنصر، وبالدّمع، وباليقين المتجدّد أن كلّ ما لدينا من صنع المقاومة، وأن شرفنا يحتّم علينا أن نتمنى لو نستطيع أن نضع عند أقدام رجالها قلوبنا وبيوتنا وحبات عيوننا ذخيرة حب تستحيل طلقات في مخازن قلوبهم وبنادقهم..
هو يوم تتويج الصمود بعزّ العودة ولو إلى خيمة فوق ركام ما كان بيتًا، ويوم التلاقي مع الأرض التي ما نزحنا منها إلا لنحرّر قلوب المقاتلين من عبء تواجدنا كمدنيين عاجزين عن القتال معهم، وكي لا يحولنا الصهيوني إلى دروع بشرية أو إلى نقطة ضعف أو إلى يد تؤلم صنّاع الحرية..
في مثل هذا اليوم منذ ١٣ عامًا، كان الموعد المقدّس لعودتنا على صهوة النصر الإلهي العظيم.. في مثل هذا اليوم، بدأت رحلة صمود جديدة، وامتحان جميل لولائنا للمقاومة، وفرصة نقول فيها للعالم إن هذه البيئة التي سمّاها الأمين على الأرواح "أشرف الناس" ليست مجرد عدد، بل نسيج متكامل متين، تتعدّد ألوان خيوطه وتتماسك فيحاوط كتف المقاومين دعمًا وحبًا وإيمانًا..
تحتل مشاهد العودة الذهن.. تلك اللحظات التي اجتمع فيها الناس في ساحات بلداتهم.. الدمع مصافحة والزغاريد ضمّات.. وتفقد الأحبة بين اطمئنان ينحني مقبّلا اثر خطوات المقاومين وجرح يصرخ من عمق الشوق لمن استشهدوا..
هنا كانت بيوتنا وقد حولها الصهاينة إلى ركام ينطق بالنصر محتسبًا، وهنا كانت أرزاق رجَونا لو استطعنا تحويلها إلى سلاح بيد المقاتلين، وهنا.. أجل هنا، كان لنا جيرانٌ وأحبّة وحكايات وضعها الحقد الصهيوني العاجز في "بنك أهدافه" فارتكب المجازر هربًا من هزيمته في كل مواجهة.. هنا التراب الذي شرب من عرق رجال الله، وهنا دمهم استحال زهرات ترصّع الصيف بينابيع عشق لا تنضب.. وهنا صخور من صلابة جبل عامل، تنطق حبًا وعزيمة صنعت رجالًا..
وفي الضاحية، حيث كان المشهد شبيهًا بتلك المشاهد التي لا يمكن تفكيكها او استيعاب محتواها مباشرة، حوّل يوم العودة الناس إلى خلية حب تتواصل مكوّناتها لتزيل الغبار عن وجه ما بقي من الأبنية والبيوت.. وتشرد في طبقات الأبنية التي اطبقت فوق بعضها بعضًا.. قرب مجمّع سيد الشّهداء، كان الدّمع أوّل تماس بين عيون العائدين وبين الركام.. كذلك في الرويس وحارة حريك وبئر العبد وفي كل حيّ وزقاق.. تلاقى الجيران، بل تلاقت حكايات الصمود بحكايات النزوح، وعلى وقع "ستعود أجمل ممّا كانت" بدأت حكاية عودة مدينة الحب إلى أهلها، وصمودهم العاشق للمقاومة حجرها الأساس.
في مثل هذا اليوم، وبعد ٣٣ ليلًا ونهارًا من انتظار لحظة النصر، سطع النصر شمسًا في عيون العابرين فوق ما بقي من الجسور، العائدين إلى البيت الذي فيه وُلدت المقاومة، إلى أرض الهوى التي لا هويّة لها إلا الشرف.. من جبل عامل إلى بقاع الصمود، وبينهما مدينة ما كسر كبرياءها الدّمار، وما زادها الوجع إلا تعلّقًا بشرفها، واسمها في كل القلوب "الضاحية".
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع