الداخل اليها, والناظر للركام والغبار المنبعث منها, لا يشي الا برائحة الموت, وعويل النسوة على ذكريات سحقت وغابت تفاصيلها بلا رجعة. لكن بين هذه الأزقة التي اختلفت معالمها عما كانت عليه قبل ثلاث وثلاثين يوما, لا رائحة للموت, حيث هو هناك قضية حياة, حيث الموت ولادة أخرى وانبعاث جديد.

تهافت الناس يومها كأسراب طير حجبت تحليقها غيمة مثقلة بالسواد, وبعد طول ترقب سطعت الشمس, فراحت تتفقد أعشاشها وقوت أيامها وسهر لياليها.

كاد مراسلو المحطات التلفزيونية المحلية منها والاجنبية, ومراسلو الصحف والمصورون يوازي عددهم عدد سكان الضاحية العائدين وزائريها المتفرجين.

يلتقط المصور لقطة لطفل يرقب بذهول دمية تبعثرت ظفيرتها ذات تفجير, فتحتل ربما تلك الصورة غلاف صحيفة خارجي, او مقدمة نشرة اخبارية, وينقسم نجاح اللقطة بين احترافية مصور, وعفوية طفل, وقصة مأساة, وحدث جلل اثناء عدوان مدبر.

سيدة اربعينية بين دهشة وخجل تميل بوجهها عن عدسة الكاميرا وملاحقة المراسلة لها, فتتلقف الاخيرة شاباً دفعه رفاقه بحماسة وضحكة لتوجيه رسالة حب للمقاومة وشارة نصر بوسطاه وسبابته ورسالة اخرى يجاهر فيها بسخريته من الصهيوني وذله.

رجل ستيني, كأنه بات شهرَه متسترا على كتف الحائط الملتوية حدائده, يهلل للوافدين مبشرا بصموده مستبشرا منهم فوزا عظيما, قاصدا احدهم لا بشربة ماء او كسرة خبز, بل بسيجارة لوّعه فراقها وهي التي لازمته منذ مراهقته تماما كما لازمه اليقين بالنصر.. نعم فهو يطلب الحياة, ويحب ان ينفث غبارها مع كل نفثة من دخان سيجارته.. هكذا هو!
اما العجوز التي ربما كان لقبها "أم علي", فتجول بنظرها متحسرة متصبرة, بقول "لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم", فيربت احدهم على كتفها: "ستعود اجمل مما كانت", وكأنه بتلك الجملة يربكها من جديد, فكيف السبيل لوقوف هذه الاسطح?ومن اين ستُملأ الدكاكين? وأين ستُنصب صور كل هؤلاء الشهداء? وكيف للجرحى ان يتجاوزوا تلك الحفرة الكبيرة في وسط الطريق? ومن سيلتقط العصافير الفارة من اقفاصها ليفرح بها قلب طفل عائد بعد اشتياق?

مد الله بعمر "ام علي", ولم يمر وقت طويل حتى نعمت برؤية الديار تعود اجمل مما كانت, فمن يدرك الجهاد يستسهل البناء, ومن يتقن الموت يعش ابدا بين الأضلع متربعا.
رسائل كثيرة توجه اليوم لسيد المقاومة, وآمال معقودة في تتويج النصر اجتماعيا وانمائيا, وكون الثقة لازمة المقاومة لا بد من ان لا تستهلك انتصاراتها أية مؤامرات تبني وتفتح من بعض الثغرات باباً لها..

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع