"دعساته المرسومة دروب" على حدّ قول الشاعر فيه، وصلت به في مثل هذا اليوم، وعلى صهوة الدبابة التي تحالف معها، إلى قصر الرئاسة في كيان صُنع ليكون شوكة في خاصرة المنطقة. بدا المشهد يومها في أعلى مراحل العبثية. فمع كل ما تبذله المقاومة الفلسطينية وسائر القوى الوطنية بمواجهة الاجتياح الصهيوني وسائر أدواته في لبنان، علا التصفيق في البرلمان.. بشير الجميّل رئيسًا للجمهورية.. هذه "الدعسة" قادته إلى حتفه بعد أيام قليلة، وتحديدا في الرابع عشر من أيلول، اذ قضى ونخبة من شركائه على يد بطلّ وطنيّ قوميّ، اسمه في التاريخ والقلوب "الحبيب الشرتوني".
لم يكن بشير الجميّل ذاك بطلًا كما يحاول مشوّهو التاريخ تصويره، فصغير الأسرة الكتائبية الحاكمة، وإن كان يتصّف بالدمويّة والجنوح الشديد نحو القتل والتدمير، اتّسم بشخصية فيها من الجبن والتردد على حد وصف حلفائه الصهاينة، ما جعله مؤهلًا بالنسبة إليهم ليكون أداة طيّعة، وعميلًا خائفًا لن يجرؤ يومًا على مخالفة الأوامر. أمّا تحويله إلى رمز "لبناني" والحديث عن صولات وجولات له في ما يُسمى "الدفاع عن مسيحيي الشرق" فهو محض ادعاء تجميلي، يضيف إلى دمامة سماته تشويهًا وكذباً، ويضفي على الحكاية نوعًا من التشويق عبر تحويله إلى بطل تعرّض للاغتيال. إلا أن التاريخ لا  يكذب، ولا يخضع لإملاءات ورغبات كاتبيه، والدليل أن الصهاينة أنفسهم يتحدثون عنه كعميل تعاون معهم إلى أبعد الحدود.
الجميل في الأمر، أن حبيبًا للأرض اتّخذ قرار الإعدام العادل ونفّذ، موجهًا رسالة إلى سائر الماضين خلف "دعسات" بشير، أن لكل خائن حبيباً، مهما كانت الظروف ومهما تغيّرت موازين القوى.
بالنظر إلى اليوم، وامعانًا في فخر زوال هذه الحقبة السوداء، وانتقال بلادنا إلى مرحلة متقدّمة من الصّراع، مرحلة أضحى فيها الصهيوني لشدّة خوفه يتحسّس وجوده في كل صباح ويدرك قبل غيره أنّه إلى زوال، ومرحلة قد تتعثر خلالها ببضعة وجوه من بشير في المشهد السياسي إلا أن  الوقائع فرضت نفسها، وأصبح هؤلاء ومشروعهم مجرّد بقايا بلا تأثير وبلا أي ثقل يُذكر، وانتقل المشهد "المسيحي" الغالب، ولو ببطء، إلى حال من التكامل مع المقاومة، المقاومة التي حمت وتحمي كنائس سوريا، وتؤدي الحب تحية للإنسان، كلّ إنسان رفض أن يُعادي تراب أرضه ويخون.
٣٧ عامًا مرّت على يوم من العار "الجمهوري"، على المشهد المزيّف الذي لم يدم، وعشنا، عاشت المقاومة، وعاش هذا التراب الحرّ ، أمّا من خانوه، فكان لكلّ منهم "حبيب"، وسيكون لكل منهم حبيب، حتى زوالهم وزوال "ربّ عملهم" من الوجود.

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع