منذ تحوّل منصّات التواصل إلى ساحات "حرّة" متوفّرة للأفراد، ترافقَ كلّ حدث مع سيل هائل من الشائعات والأخبار المغلوطة، لا سيما فيما يتعلّق بالأحداث ذات البعد الأمني. وقد بلغت هذه "الظاهرة" حدّ اختلاق وتأليف الأحداث التي تدور في فلك حدث حقيقي واحد.
منذ ليل السبت-الأحد، أي اللّيلة التي تعرّضت فيها الضاحية للعدوان بمسيّرتين مفخّختين انفجرت احداهما وتعطّلت الأخرى، لم تمرّ دقيقة واحدة دون ورود خبر "عاجل" وعلى الأغلب "مُختلق". في البداية، بدا الأمرُ طبيعيا ومعتادًا لا سيّما بسبب الغموض الذي لفّ الاعتداء، والذي توضّحت صورته وتفاصيله في بيان العلاقات الإعلامية في حزب الله ليل الإثنين. وازدادت وتيرة هذه الأخبار بعد خطاب السيد نصر الله في مهرجان "سياج الوطن" والذي وضع قواعد جديدة للحرب مع الصهاينة، فتلقّف كتّاب الشائعات الخطاب بكل ما اوتوا من انعدام مسؤولية ليحاولوا تمرير أخبار كاذبة لا تخدم إلا العدو الصهيوني، سواء عن جهل أو عن تعمّد. بالنتيجة، استطاع هؤلاء خلق حالة من الإرباك بين الناس، ما مكّنهم من تمرير المزيد من الشائعات ومن الأوهام المكتوبة.
تراوحت هذه الأخبار بين اعلان عن عمليات نفّذتها المقاومة، وبين سقوط طائرات في مختلف القرى الجنوبية، وبين عبوات هنا وهناك. صدر الكثير من النصوص الإخبارية الركيكة شكلًا والكاذبة مضمونًا، والتي أضاف إليها صُنّاعها أحيانًا روابط الكترونية موثوقة عادةً لإضفاء المصداقية على مضامينها. وفي الوقت نفسه، تداخلت الأخبار "الصحيحة والدّقيقة" مع تلك المزيّفة أو التي تحمل مبالغات شديدة الخطورة في هذه الأيام، مما يعكس الاستخفاف الشّديد والخطير وربّما المشبوه بطبيعة المرحلة، وبمسؤولية الأفراد تجاه أنفسهم ومحيطهم، وحكمًا تجاه المقاومة.
أغرق المستهترون وسائل التواصل بالأخبار الكاذبة، والطامة الكبرى تكمن في أن بعض محطات التلفزة تتخذ من منصات التواصل الحافلة بالبيانات الوهمية وبالأكاذيب الواضحة، مصدرًا إخباريا لها ما ساهم في تعزيز شكل من المصداقية لهذه الأخبار، وإن كانت مصداقية هشّة سرعان ما تتضح "وهميتها".
لذلك كان لا بد من تذكير الجميع، وأنفسنا أولا، أن المساهمة في نشر الشائعات ولو على سبيل الدعابة والمزاح تؤدي بشكل أو بآخر خدمة مجانية للعدوّ الذي يهمّه أن تضيع الحقائق وتتضارب الوقائع في ذهن الناس ولا سيّما في بيئة المقاومة. من جهة أخرى، جميعنا يعلم أن المصدر الوحيد الموثوق في هذا الظرف وفيما يتعلّق بكل خبر حول الردّ على الاعتداء الصهيوني، هو حزب الله، فقط، سواء عبر مكتب العلاقات الإعلامية أو عبر ممثليه الرسميين، الرسميين فقط. أما فيما يتعلّق بالتحليلات والتوقّعات لا سيّما التي تصدر عن سياسيين واعلاميين في فلك حزب الله، فهي مجرّد تحليلات وتوقّعات شخصية مبنية على معطيات محدّدة، لكنّها حتمًا ليست سيناريوهات حقيقية ولا مخطّطات قيد التنفيذ.
هي ليست مرحلة عادية. وكل فرد منّا مسؤول تجاه نفسه ومحيطه بالتزام الحرص والوعي في كل كلمة وخبر ينقله. المسألة لا تتعلّق بالنوايا ولا بالأمنيات. ففي ظرف دقيق كهذا، ينبغي أن يُغفل كل خبر أو حكاية لم تصدر عن الجهة الوحيدة التي نعرف أنها تمتلك الخبر الصادق، وإلا سنصبح من حيث لا ندري، أو بعضنا يدري، في خدمة مطلقي ومروجي الشائعات التي تؤدي ولو ببطء إلى إخفاء الحقائق، وخلق حالة من الإرباك في صفوف الناس، وهذا كله يصب فقط في مصلحة العدو.
هي مرحلة جديدة من الصراع، مرحلة تحتّم على الجميع، فردًا فردًا، أن يتعاطوا بوعي شديد مع كل خبر أو صورة أو بيان، وأن يلجأوا إلى الجهات الإعلامية ذات المصداقية للتدقيق في أي خبر يتمّ نشره أو التداول فيه، وكذلك السّعي إلى تكذيب كلّ الأخبار "الشائعة" التي لم يصدر حولها بيان أو كلام رسمي عن حزب الله، وبذلك يتمّ تقليص الأكاذيب الإخبارية وتحجيم مطلقيها بحيث تنتهي هذا الحالة "الهستيرية" من الأخبار والتفاهات. وقد يكون من الضّروري محاسبة كلّ من يروّج لخبر كاذب أو لشائعة لا سيما في ما يخص الأعمال الأمنية والعسكرية، حفاظًا على وعي الناس وعلى مشاعرهم وانفعالاتهم، وحرصًا على تطهير البيئة المقاوِمة من كل الترّهات التواصلية التي قد تبدأ بدعابة بريئة وتنتهي بخبر كاذب ومشبوه.
هي مسؤوليتنا جميعًا تجاه حُماة أمننا وكرامتنا وأرضنا وأعراضنا، أي تجاه أنفسنا وأهلنا ومحيطنا، فالردّ الذي وعد به السيّد الصادق آت لا محالة، ولن يتسرّب خبره إلى مجموعات "الصبحيات" التواصلية قبل أن يصدر عن الجهة المنفّذة له أي المقاومة، لذا، التريّث في نشر الأخبار وتوزيعها هو واجب أخلاقي وأمني يقع على عاتق كلّ منّا، ومن عرف في نفسه عجزًا عن انتظار الحقائق ثمّ نشرها، فليصمت حفظًا لهذه الحقائق، وحفظًا لمصداقيته وحقيقة ولائه للمقاومة التي نعرف أنها حين الردّ ستزفّ إلينا الخبر بأعلى الصوت، وبأعلى أشكال الفخر والمصداقية.
كلمة واحدة: "فتبيّنوا" تصحّ أن تكون اليوم شعارا وجب أن يرفعه كلّ من يمتلك حسابًا على مواقع ومنصات التواصل. "فتبيّنوا" كي لا نغرق أنفسنا ومن حولنا بالشائعات والأقاويل والأوهام والأكاذيب العاجلة.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع