أنشأت المقاومة شبكة دفاع جوي لحماية معقلها الرئيسي في سهل البقاع اللبناني منذ الثمانينيات، وتشكلت هذه الشبكة بشكل رئيسي من مدافع رشاشة روسية الصنع عيار 14.5 و 23 و57 إضافةً إلى صواريخ الكتف "ستريلا" المعروفة بإسم SAM7، تم شراء غالبيتها من الفصائل الفلسطينية والأحزاب الوطنية. وفي مرحلة لاحقة استقدمت على ما يبدو كميات اكبر من إيران لتغطية كافة المساحة المستهدفة. واستطاعت هذه الشبكة إرباك الطيران الإسرائيلي وإصابة طائراته في حالات محدودة، لكن بقيت فعالية هذه الشبكة مرتبطة بالتنسيق الكامل والمحترف بين مرابض النيران المتموضعة بشكل رئيسي على سلسلتي جبال لبنان الشرقية والغربية، ومرتبطة حصراً بالإفادة من لحظة هبوط الطائرات الحربية إلى مستوى الرماية وهو ارتفاع يتيح للطيار قصف الأهداف الأرضية لكنه يتيح ايضاً للدفاعات الجوية استهداف الطائرة، وهو ما حصل مراراً لا سيما في منطقة جنتا شرق البقاع التي تكاد تكون أكثر المناطق اللبنانية تعرضاً للقصف باعتبارها منطلقاً لعمليات المقاومة وحاضنة المجموعات الأولى من الحرس الثوري الإيراني.
تقلصت الغارات الإسرائيلية بشكل كبير جداً عقب التحرير عام 2000 مع استمرار الخروقات الجوية على ارتفاعات متوسطة ومرتفعة بهدف الاستطلاع بشكل رئيسي ما جعل التصدي لها غير ذي جدوى، لذلك امتنعت المقاومة عن إطلاق نيران مضاداتها منذ ذلك الحين -باستثناء فترة حرب تموز- وذلك لحرمان العدو من كشف خريطة تموضع المضادات الارضية المموهة والمحصنة ولتقليص الجهد الذي كان يبذل لنقل وإعادة تمويه وتحصين المرابض عقب كل عملية تصدٍّ تنكشف فيها تلك المرابض.
تحسنت قدرات المقاومة بشكل كبير في مجال الدفاع الجوي خلال السنوات الأخيرة بحسب تصريحات جيش العدو رغم أن حجم قدرتها يبقى سراً من أسرار المقاومة، وقد يكون إحدى مفاجآتها المنتظرة في الحرب القادمة. وقد أضيف مؤخراً إلى سلسلة مهام المقاومة تحدي الطائرات المسيرة، الدرونز، فعمدت إلى ولوج هذا العالم الجديد مبكراً واستطاعت إيصال إحدى مسيراتها إلى أقصى جنوب الارض المحتلة على مقربة من مفاعل ديمونا النووي. بالمقابل كان قرار المقاومة في الداخل اللبناني هو عدم التصدي للمسيّرات الإسرائيلية لأسباب ترتبط بتعقيدات السياسة الداخلية اللبنانية، وللسبب المذكور أعلاه نفسه حول إبقاء مرابضها في مأمن من أعين طيران الاستطلاع المعادي بانتظار الحرب.
لكن الاستهداف الإسرائيلي لأحد مراكز أو كوادر المقاومة بمسيّرة انتحارية السبت الماضي في أحد أحياء الضاحية الجنوبية بالتزامن مع قصف لمركز تابع للمقاومة في جنوب دمشق (قيل انه يتبع لسلاح طيران المقاومة المسيّر)، بما يعنيه ذلك من كسر لقواعد الاشتباك القائمة منذ عام 2006 دفع الامين العام لحزب الله إلى تعديل الوضع القائم وجعل المسيرات التي تحلق فوق الأراضي اللبنانية هدفاً مستجداً.
لم يقيد السيد نصر الله نفسه بتفاصيل او مواعيد لإسقاط الدرونز، ليس انسجاماً مع عادته في عدم الانجرار إلى استدراج إسرائيلي مفترض وفي عدم تقديم معلومات مجانية للعدو، بل أيضاً لارتباط ذلك بدراسة دقائق المعطيات السياسية الداخلية والإقليمية وفي الآن عينه باستعدادات وبإجراءات لوجستية يقدرها الضباط العسكريون في المقاومة بما يحمي منظومة الدفاع الجوي الحالية ويحقق ردعاً جديداً يقيد حركة المسيّرات الإسرائيلية ويفرض قواعد الاشتباك التي يقررها السيد نصر الله لا نتنياهو.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع