غيرت إسرائيل أمس، للمرة الثالثة على التوالي خلال الأيام القليلة الماضية، موقفها العلني من الاعتداء على الضاحية الجنوبية: من الإنكار المطلق، إلى الإقرار التلميحي والإبقاء على هامش الإنكار قائماً، إلى الإقرار الكامل المسرب على الوكالات مع التهديد بالمزيد من الهجمات
اتخاذ تل أبيب موقفها من الإقرار بالمسؤولية أو إنكارها، وأيضاً ما بين الإقرار والإنكار، مرتبط بمرحلة انتظار رد حزب الله، على أمل النجاح في تقليص إيذائه، بعدما سلّمت بحتميته.
إلا أن تذبذب الموقف، من الإنكار إلى الغموض ومن ثم الإقرار، كشف أيضاً موقف إسرائيل وتقديراتها في مرحلة اتخاذ قرار الاعتداء، وأنه جاء نتيجة رهان خاطئ على إمكان صمت حزب الله و«بلع» الضربة «المسيرة»، وهو رهان مبالغ فيه إلى حد إثارة الدهشة، وخاصة أنه يفترض بالاستخبارات الإسرائيلية أنها خبرت حزب الله طويلاً، وباتت تدرك محدودية إمكان منعه من اتخاذ قرارات مصيرية، مثل تثبيت قواعد الاشتباك في الساحة اللبنانية.
ومع تيقن حتمية الرد، بات تمسك تل أبيب بإنكار مسؤوليتها عن الاعتداء في الضاحية، ضاراً بالموقف الإسرائيلي، ومقلصاً لمستوى الردع الذي بات أكثر من مطلوب في مرحلة انتظار الرد، حيث الحرب على الوعي عبر التهديدات هي السلاح الأول الذي يمكن لإسرائيل أن تراهن عليه. من هنا، جاء الإدراك، وإن متأخراً، أن استمرار إنكار المسؤولية عن اعتداء الضاحية، لا يتساوق مع هدف التهديدات التي تطلقها تل أبيب بإفراط للتأثير في قرار الرد وتقليص مستوى إيذائه، إذ كيف لتل أبيب التي تخشى الإقرار بمسؤولية اعتدائها الأول، إن كانت تهدد بالمزيد منه؟
استناداً إلى ذلك، باشرت إسرائيل حرب التسريبات وإنهاء الغموض في موقفها المعلن من الاعتداء على الضاحية، إضافة إلى التهويل بالتدمير إن أقدم حزب الله على الرد. وذكرت القناة 13 العبرية أن التسريب الوارد في وكالة رويترز أمس عن مسؤول أمني إقليمي، هو تسريب إسرائيلي موجه في إطار حرب التسريبات القائمة بين الجانبين، ويهدف إلى التشديد على أن إسرائيل ستذهب إلى النهاية إن قرر حزب الله الرد.
وكانت وكالة رويترز قد نقلت عن مصدر أمني «إقليمي» قوله إن حادث الطائرتين المسيرتين كان «غارة وجهت ضربة لقدرات حزب الله في مجال تصنيع الصواريخ الدقيقة». وأضاف: «كانت رسالة إسرائيل إلى حزب الله هنا كبيرة وهي: استمروا في التصنيع وسنستمر في ضربكم». ولدى سؤاله عما سيحدث إذا عمد حزب الله إلى التصعيد بعد الرد، قال المسؤول: «أتصور أن إسرائيل ستصعّد بعد ذلك ضرباتها وستقضي على هذه القدرة تماماً. تفاصيل هذه المواقع معروفة. الكرة الآن في ملعب حزب الله».
وتعدّ تهديدات المصدر الأمني الإسرائيلي استدراكاً من تل أبيب لوجهة تهديدات صدرت في اليومين الماضيين، ركزت أكثر على الجانب الإيراني من دون حزب الله، وفقاً لتقديرات خاطئة من جانبها. مع ذلك، استدراك الموقف رغم ما يتضمنه من رفع الصوت عالياً، لا يضيف الكثير على مركبات المشهد واستشراف ما سيلي. وكما يرد في تقرير القناة 13 العبرية: «هي حرب رسائل في محاولة للقول إن إسرائيل لا تقبل أي رد. وكل رد على قصة الضاحية ستقومون به، ستتلقون (في مقابله) ضربات قوية».
ميدانياً، أكدت صحيفة «هآرتس» من جديد، أن «تقدير المؤسسة الأمنية (الإسرائيلية) يشدد على أن حزب الله ينوي الرد على الهجومين اللذين ينسبهما لإسرائيل في سوريا ولبنان، الأمر الذي يستتبع استمرار رفع درجة الجاهزية والاستعداد العسكريين على طول الحدود مع سوريا ولبنان».
وبعدما أعلن الجيش الإسرائيلي الثلاثاء فرض قيود على حركة المركبات غير العسكرية على الحدود مع لبنان، مع تقليص حركة الآليات العسكرية إلا بموجب تصريح مسبق ومعلل، أغلق أمس المجال الجوي أمام الطائرات المدنية بمختلف أشكالها وأنواعها لمسافة ستة كيلومترات من الحدود مع لبنان، الأمر الذي يشير إلى فرضيات مختلفة للرد حاضرة على طاولة التقديرات في تل أبيب، لا تقتصر فقط على الرد البري، كما جرت عليه العادة في الماضي.