هيهات منا الذلة، ليست مجرد جملة قالها الإمام الحسين وليست مجرد شعار يرفعه الأحرار الذين استلهموا من الامام عزته وكرامته واستلهموا من الثورة الحسينية تفضيل الموت على حياة مع الظالمين ملؤها الهوان والمذلة. انها بمثابة منهج للعمل وللحياة.
فلكل توجه سياسي فكر يحركه، ولكل حركة أو جبهة عقيدة وفلسفة أو كما يشاع "ايدلوجيا"، تشكل الخطوط العريضة وهرم الأهداف وتحدد الاستراتيجية وتضبط التكتيك. ولا شك ان ايديولوجيات التحرر الوطني والمقاومة بمختلف مسمياتها وتنوعاتها تستلهم هذا الشعار وتجري روافدها من منبع حسيني سواء كانت اسلامية او قومية أو يسارية، فلا يلجأ للتضحية والفداء الا حر، ولا يقبل الحر ذلا ولا هوانا، ولا يجبن ولا يرى الموت الا سعادة ولا يرى الحياة مع الظالمين الا برما.
لولا هذا الشعار لما كانت هناك حركات مقاومة ترفض الاستعمار وتأبى الضيم، ولكان الاستعمار امرا واقعا وسلب الحقوق نوعا من الروتين، ولكانت شريعة الغاب هي القانون السائد.
لولا هذا الشعار لكان الاستبداد يعمل في اريحية تامة مطمئنا مسيئا للأدب بسبب أمنه من العقوبة.
ماذا لو لم يجد العدو الاسرائيلي والذي يقوم مشروعه على الاستعمار الاستيطاني والتوسع مقاومة تثنيه عن التمدد وتدحره وتردعه وتقيم توازنا للرعب يحمي البلاد والمواطنين ومقدراتهم؟
ماذا لو رضخت ايران وسوريا لمفاوضات التخيير بين السلة والذلة واختارتا السلة فوقعتا في الذلة، واليوم بعد رفع وتطبيق شعار "هيهات منا الذلة" ومثلهم لا يبايع امثال امريكا، نجد توازنات جديدة واحتراما ومنعة.
ماذا لو رضخت المقاومة الاسلامية للاغراءات او رضخت للضغوط، هل كانت ستنعم بهذا الفخر وهذا الأمن القائم على توازن الردع؟
ماذا لو استسلم الشعب الفلسطيني لصفقات البيع والتفريط ولم يقاوم، فهل كانت بقية من ذكر لقضيته وحقوقه موجودة بيننا؟
ان المقاومة لم تستوحش طريق الحق لقلة سالكيه بعد سيادة عصر التفريط والخيانة والاستسلام، لأنها أسست على منهج صلب وأساس متين وهو أن الحياة مرادفة للكرامة، والذلة مرادفة للموت، واستلهمت روح كلمات الامام الحسين التي تقول "إن تكن الأبدان للموت انشئت فقتل امرئ بالسـيف في الله أفضل".
هذا هو منهج من قضوا شهداء ومن بايعوا المقاومة ورابطوا على الجبهات، فحققوا الانتصارات، تارة بالسيف وتارة بالدم.
ان اعتماد منهج "هيهات منا الذلة" يقود الى فروع اخرى تشكل معالم طريق الاحرار، وتضمن صحة الخيارات والسياسات فهو سيقود بالضرورة لمدرسة حسينية تقول "إن من طلب رضى الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس، ومن طلب رضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس."، وبالتالي يشكل ذلك منهجا لسياسات داخلية.
كما سيستلهم بالضرورة منهجا اخلاقيا حسينيا في المعاملات الاجتماعية والسياسية تجاه الآخرين بما فيهم من يسيء للمقاومة يقول  "إن أعفى الناس من عفا عن قدرة"، و"إن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه"، وقد لمحنا في تعاطي المقاومة مع القوى السياسبية الاخرى ومع دول خارجية ايضا هذه الروح، والتي اعطت للمقاومة شرفها وقوتها ومصداقيتها.
كما يشكل المنهج الحسيني هذا حنكة السياسة وصحة البصيرة وضوابط الفرز عبر اعتماد مدرسة حسينية تقول "الأخ الذي هو عليك فهو الأخ الذي يتربص بك الدوائر ويغشي السرائر ويكذب عليك بين العشائر، وينظر في وجهك نظر الحاسد"، وكذلك "الاخ الذي هو لك فهو الاخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع إلى حال الرغبة، فلم يطمع في الدنيا إذا رغب في الاخاء". ولطالما وجدنا فشلا لقوى وحركات سياسية ودول بسبب عدم قدرتها على الفرز وتحديد العدو من الصديق وهو ما يقود لفشل الرهانات.
هذا هو الفارق بين حركات المقاومة الأصيلة وحركات زائفة رفعت شعارات مقاومة زائفة  وشعارات تدين فارغة من مضمونها فأصبحت مصداقا لقول الامام الحسين: "إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون".
نعم ان "هيهات منا الذلة" ليست مجرد شعار وانما منهج متكامل يشكل روحا للفداء وفلسفة للتوجه واستراتيجية للحركة ومدخلا لمدرسة متكاملة تشمل الاقتصاد والسياسة والأخلاق وتضمن لطلابها ومريديها النصر والعزة والكرامة.
 

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع