صوت الحريق الذي لامس عيون الأطفال في بيوتهم ليل أمس لم يكن مدوّيًا كفاية ليوقظ "المعنيين" بأمن هؤلاء الأطفال وأهلهم.. النّار التي التهمت أرزاق النّاس ولفحت بيوتهم بالسواد لم تقترب من قصور "موظفي الدرجة الأولى" في الوزارات التي جزء من عملها التدخّل الفوري في حالات الكوارث، والتحضير مسبقًا لتفاديها أو حصر أضرارها قدر الإمكان.
نامت الدولة في تمام ساعة انتهاء الدّوام الرسمي، وصحت طيلة اللّيل النار، وعيون من كادوا يكونون طعامها من سكان ومتطوعين في فرق الإطفاء.
طلع الفجر، فجر اليوم الثلاثاء، على وقع ألسنة اللّهب ونداءات الاستغاثة من مناطق المشرف والدبية في الإقليم جنوبي بيروت. لحظات قليلة كانت كافية لتبيان حجم التقصير "الرسمي" الذي يكاد يكون تورّطًا موصوفًا. الطوافات التي تمّ شراؤها بغرض إطفاء الحرائق، الطبيعية في فترات الحرّ والرياح، معطّلة! صهاريج نقل مياه الإطفاء معدودة ولا تفي بالحاجة. الاستعراض البشع الذي رافق طلب طائرات مخصصة للأطفاء من قبرص لم يستطع أن يُقنع النيران بالتوقف وإن كان أقنع بعض النّاس أن وزارة الداخلية تقوم بواجباتها على أتمّ وجه.

ساعات الصباح الأولى كانت كفيلة بإظهار أصالة الناس وحسّهم العالي بالمسؤولية تجاه بعضهم البعض فكانت فرق من الشّبان والشابّات تتقاطر إلى مواقع الكارثة للمساعدة في إخماد الحرائق بالوسائل البدائية المتوفرة أو في إغاثة الناجين من الحرائق أو في دعم فرق الإطفاء واحتضان تعبها.. من الضاحية إلى الجنوب، من المخيّمات الفلسطينية إلى أماكن تواجد النازحين السوريين، سارعت البلديات والجمعيات والأفراد لتقديم يد الخدمة إلى الأرض المنكوبة بالنار وبالتقصير، فيما شاهدنا مئات الإعلانات على وسائل التواصل تشير إلى بيوت ومساكن أعدّها أصحابها لاستقبال من أخرجتهم النار من بيوتهم عنوة.

في هذا الجو الحافل بالتوتر وبالغضب وبالحب الذي في الشدائد يجمع القلوب إلى بعضها، كان على المقصرين، أشخاصًا وجهات، أن يلزموا الصّمت، أن يتواروا عن وجع الناس، أن يخجلوا بما اقترفوه من محاصصات ونهب وضع الحاجات الأساسية التي تجب لدافعي الضرائب عليهم خارج حساباتهم.. لكنّهم لم يفعلوا! بوقاحة موصوفة، رأينا إحدى المعنيات والتي تتبوأ مركزًا مسؤولا بشكل مباشر عن التصدي للكوارث تستعرض صورًا لطوافات قبرص كمن يقول للناس "ها أنا أدّيت واجبي للعلى".. تلتها زميلتها في نص إنشائي ركيك لم نفهم منه إلا أنها تود إبلاغنا أنها علمت، مشكورة، بأمر الحريق. لم ينته اليوم قبل أن يخرج علينا غاضبٌ يتحدّث بالصحفيين متسائلًا عن سبب حدوث الحرائق حصرًا في مناطق "مسيحية"! تداول الناشطون الخبر بما يشبه السخرية المرّة.. أولا لأن الحرائق لم تنحصر في منطقة معيّنة، ثانيًا لأنه لم يخطر ببال أحد أن يسأل عن هوية المناطق الطائفية، ولا عن هوية من هبّوا للنجدة والإنقاذ!
مرّ اليوم. ها نحن ندخل ليلًا ثانيًا من حريق لم يُخمد.. وما زالت بعض المواقع تشهد تجدّد اندلاع النيران فيما تنشأ في مناطق أخرى حرائق جديدة ولا سيما في مناطق وقرى الحنوب.. هذه الحرائق التي انتقلت بسرعة إلى القلوب التي وقفت تحدّق فيما يحدث، القلوب التي انهار نبضها باكيًا خوفًا على أحبة لها يسكنون في المناطق "المحترقة"، القلوب التي تابعت أخبار استشهاد المنقذين بوجع ومواساة لأهلهم الذين يواجهون اليوم نار الفجيعة..
تحت وسم لبنان يحترق بدأ النهار ويبدو أن أخبار الحرائق ستستمر طيلة أيام موجة الحر والرياح، لذا لم يعد من المجدي توجيه اللّوم إلى المقصّرين.. بل يبدو أنّه من الأجدى كثيرا معاقبة هؤلاء، عسى يتذوقّون برهة من نار أكلت أيامنا لتمدّ حساباتهم المصرفية بالتغذية المستمرة!

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع