نحن الآن في عين العاصفة. الإرباك رافق أسبوعًا كاملًا من الصراع الذي خاضه كلّ منا بين قناعته بالحق بصرخة الوجع، وبين تخوّفه من تحوّل الصرخة إلى صهوة يمتطيها العدو وأدواته. أسبوع تعرّضنا خلاله، وما زلنا، إلى هجمة عدوانية أداتها وجعنا المتراكم منذ سنين، وأداتها شهقات أطفالنا أمام ما لا نستطيع إحضاره من أحلامهم.أسبوع تحوّل فيه دمعنا وتعبنا إلى سكّين موجّه إلى خاصرة كرامتنا، وكرامة المقاومة التي بالدم حفظت بيوتنا، وشوارعنا، بل كل الشوارع التي احتشد فيها الموجوعون، وغيرهم.
بصوت الأب الممتلىء عاطفة، والقائد ذي الوعي الأعمق، قطع سيّد القلوب والأمين على مواطنيه كل الشكوك بيقينه، بل بيقيننا به. بكلمات تنسج الدفء حول برد الارتباك الذي رافق الكثيرين أسبوعا، وتدعم الموجوعين الصادقين لتكملة حراكهم وحفظ ما حقّقوه من إنجازات، وتطلب من المنتمين الأوفياء الانسحاب من الساحات التي دخلتها السفارات لتمتطي وجع الحاضرين. 
وضع السيّد حسن نصر الله النقاط على الحروف. لم يعاتب من ارتضوا التواجد في ساحات حاول بعض روادها إطلاق سهام اتهاماتهم من على منابرها صوب رأس المقاومة، لم يلم أحدًا، بل حمل بنفسه وزر التكفّل بتحقيق ما ورد في ورقة الإصلاحات، ودعا "الحراك" إلى اتخاذ قيادة تحاور باسمه. بدا شديد الحرص حتى على الذين نسوا أنّ أصل صرختهم الوجع، وأخذهم الجو والتصفيق حدّ اعتبار سحب سلاح المقاومة هدفًا "لثورتهم"، فطلب إلى الجيش حماية المتظاهرين.
تجاوب المحبّون في الساحات مع طلب الأمين. بعضهم بحسرة، وبعضهم بفرح، وجميعهم بثقة ويقين بأن لا قول بعد قوله. في أثناء ذلك، كان أرباب الفساد يدعون الموجوعين من الفساد كي لا يتركوا الساحات! وأن يستمروا دفعًا نحو الفراغ، الفراغ الذي حذّر السيّد منه ببساطة لأن الفراغ لن يحقق أياً من المطالب التي تحرّك الناس لأجلها "عفويًا" في اليومين الأوّلين من حركة الإحتجاجات.
بدا المشهد أكثر غرابة من كل ما مرّ من ارتكابات خلال الأسبوع لا سيّما تلك التي كان فاعلها الإعلام. وبدت الإشارات التي ترسلها السفارات وقوى الغرب أكثر قوة ووضوحًا. الهدف إذاً هو الفراغ وإسقاط العهد: الفراغ الحكومي بوصفه ممرًّا آمنًا لمرتكبي الفساد، ومنقذًا لهم من المساءلة، وإسقاط العهد كونه حليف المقاومة، وداعمًا لها في المحافل الخارجية.
مرّ الأسبوع. يومًا بعد يوم كانت الصورة تتضح أكثر فأكثر، وتزداد شراسة "معادي" المقاومة في كشف نواياهم التي بعضها الحنين إلى الحرب الأهلية والحواجز التي يقتات واضعوها على دم العابرين، أو جيوبهم. ما بدأ عفويًا من تحركات احتجاجية وصرخات وجع، تحوّل بفعل فاعل مرتكب إلى مشروع يشرف عليه مهندس "الربيع العربي".. ما بدأ دمعًا يُذرف في ساحات أهلها الفقراء، تحوّل إلى خشبة استعراض مجهّزة بكل ما يحتاجه العرض المتواصل من معدات ولوازم.. ما بدأ غضبًا فاض عن خوابي الصبر في بيوت المستضعفين، تحوّل إلى كؤوس ترتفع أنخابًا على شرف الفتنة.. ما بدأ مسارًا لحقٍّ وجب أن لا يضيع لأن وراءه مُطالب، تحوّل، وبأسف شديد، إلى نفق مظلّم يقود عابريه إلى مجهولٍ بلون الدم..
بكل الأحوال، وبعيدًا عن التأويلات ومحاكمة النوايا، الاطمئنان الذي نعيشه بما يخصّ عدم دخول لبنان في حرب أهلية سببه أن الطرف الأقوى يرفض خوضها، بل ويبذل كل جهد لمنعها.. والأمان الذي نشعر به بما يخصّ عدم استنساخ التجارب الربيعية التي شاهدنا في مصر وتونس وسوريا، هو يقيننا بأن هذه البلاد بِحمى قائد أممي، واجه الأميركي في كل ساحات الحروب وانتصر.. وإنّا بنصر الله لواثقون.

 

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع