(الحديث في هذه المقالة غير مقصود به الحراكيون الحقيقيون)


لا يبذل الأميركيّ جهدًا لإخفاء دورِه الرئيس في ما سُمّي بالثورة في لبنان. ومع ذلك، يصرّ البعضُ على الاختباء خلف الشعارات المحقّة طبعًا، لتضليل الجميع وتعويم نفسه تحت مسمّى ثائر. اتخذ المشهد أحيانًا بُعدًا كوميديًا، إذ أمكن لنا، نحن المشاهدين، أن نرى ونسمع عن صيغٍ مستحدثة في مقاومة الأميركي، كرأس حربة النهب والفساد، فشهدنا من يحاضر في عفّة الثورة المصنّعة أميركيًا متوجّهًا إلى الأميركي بكلام معادٍ.. وشهدنا كيف يتمّ التعاطي مع كلام فيلتمان أو بومبيو وكأنّه مجرّد خبر عابر لا يضيء على حقيقة يصرّ البعض على غضّ البصر عنها، لأسباب مختلفة، تبدأ بالرضوخ أصلًا للإرادة الأميركية وتنتهي بتكذيب محتوى الكلام والمقصود منه وربطه بما اعتاد "الثوّار" اعتباره نوعًا من إصابتنا بعقدة المؤامرة. وربّما ذهب بعض الواهمين إلى اعتبار التصريح الأميركي بخصوص "ثورتهم" نوعًا من الدّعم الذي فرضوه على الأميركي كقوّة شعبية عفوية.. 

بعيدًا عن تصنيف الخلفيات التي تقف وراء إصرار الحراكيين على التعتيم على الدور الأميركي، ثمّة مشتركات تجمع بينهم أفرادًا ومجموعات: أوّلها الاتفاق على التضليل وسوق الاتهامات نحو كل من لا يشاركهم "ثورتهم" وثانيها اتباع المسار الأميركي المرسوم بدقّة بحيث يؤدي كل فرد أو جمع دوره بشكل "عفوي". وهنا تتنوّع الأدوار بين فئة تصرّح بمطالبتها بنزع سلاح المقاومة مثلًا وفئة أخرى تصرّح بتمسكها بهذا السلاح. وبالمناسبة الطرفان النقيضان هنا صادقان كلّ في تصريحه، إلّا أنّهما يسيران معًا، ويؤديان ما تستوجبه "الديمقراطية" الأميركية في إظهار التناقض الأساسيّ وكأنّه مجرد شكل من أشكال التنوّع. بكلام آخر، يشبه الأمر قافلة تسير على خط واحد، باتجاه واحد، وفي المسير يحدث أن يلعن بعض ركّابها السائق دون تفكير في القفز خارجها..

بالنظر إلى التفاصيل اليومية، يشتدّ الأمرُ وضوحًا.. ويمكن القول إن مجرد طرح فكرة التظاهر في عوكر حيث مستعمرة السفارة الأميركية في لبنان والتي شكّلت مادة خلافية بين الحراكيين، هو بمثابة مفترق يتيح للصادقين أن يقفزوا خارج القافلة المسيّرة الذاهبة حكمًا إلى الخراب.

بعيدا عن الاستثناءات الصادقة التي تتضاءل يومًا بعد يوم، أصبح من الواضح جدًا أن الهجمة الأميركية اليوم على المقاومة تتخذ شكل "الثورة".. الفكرة التي تغازل قلوب المتعبين وأيام الفقراء وتعدهم بغدٍ أجمل فيما تعدّهم ليكونوا ذخيرة تصوّب نحو المقاومة، كفكرة، ونحو حزب الله كقوّة اقليمية هزمت الأميركي في كل ساحات القتال.. وهنا كان امتحان صعب، تجاوزته بيئة المقاومة بغالبيتها، ولم يسقط فيه إلّا من كانوا ينتظرون فرصة للسقوط. وبالتالي، ولأن هذه البيئة تقوى بتطهير نفسها، يدرك الأميركي الآن أنّ المواجهة القادمة لن تكون بالسهولة التي يظنّها. وما استنفار فيلتمان وادعاؤه أن هذه البيئة لم تلتزم بكلام السيد نصر الله وأصرّت على البقاء في الساحات، سوى مؤشر إلى الإرباك الأميركي حيال تماسك هذه البيئة الذي ازداد صلابة رغم اعتماد الثورة على أوجاع ناسها وتعبهم.

الأيام القليلة القادمة كتلك التي سبقت، ستظهر مع كل خبر إشارة جديدة إلى القبضة الأميركية التي تقود "الثورة".. سنحافظ على توثيق الإشارات ليس كأدلة لمن يصرّون على عدم رؤيتها أو الأخذ بها، فهم أحرار طبعًا وأدرى بموقعهم من الصراع، إنّما لأننا اعتدنا أن ندعم حججنا بالشواهد، ولأن لوجعنا وحقوقنا المهدورة حقّاً علينا وهو أن لا نستخدمها ضدّ كرامتنا التي هي من نصر ومقاومة.

 

 

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع