كتاب جغرافيا في لبنان يصف حزب الله بالإرهابي..كيف تسلّل ومن المسؤول؟

الكتاب يدرَّس لطلاب فروع الشهادة الثانوية "Bac Francaise" في مدرسة College Melkart

 كثيرة هي المحاولات الغربية الحثيثة لشيطنة حزب الله ووصمه بالإرهاب، وزج اسمه جنبا إلى جنب مع تنظيم "داعش" الإرهابي، لكنّ أخطرها أن يتسلل هذا المخطط الخبيث إلى المناهج التربوية المعتمدة في مدارس لبنان، علّه يحقق -عبر بوابة الثقافة- ما عجزت أميركا والكيان الصهيوني عن تحقيقه بالحرب العسكرية والاقتصادية المفروضة على لبنان.

جديد هذا المخطط تجلّى في ما ظهر إلى الإعلام عن خارطة لتوزيع القوى في العالم تصنّف حزب الله منظمة إرهابية، في كتاب جغرافيا يدرَّس لطلاب فروع الشهادة الثانوية "Bac Francaise" في مدرسة College Melkart.

خطورة الأمر استدعت اتصالات مع مختلف الجهات المعنية في الدولة لوضعها أمام مسؤولياتها فيما يخص المناهج التربوية في لبنان، وللبحث عن الثغرات التي أفضت إلى وصول كتب تحوي مضامين تضرب المفاهيم الوطنية.

*الكتاب يتبنى وجهة النظر الصهيونية

رئيس الجمعية الوطنية لمقاومة التطبيع وعضو "حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل"" عبد الملك سكرية يصف في حديثه لموقع "العهد" الإخباري الأمر بـ"الخطير"، ويوضح أن "الكتاب لا يتبنى وجهة نظر لبنان ولا حتى فرنسا ولا الاتحاد الأوروبي من حزب الله بل وجهة النظر الصهيونية، لأن لا فرنسا ولا الاتحاد الأوروبي يصنفان حزب الله منظمة إرهابية".

ويضيف سكرية: "هنا تكمن الخطورة، هناك تسلل صهيوني عبر المناهج التربوية بذريعة أنها كتب مصدرها خارجي للتأثير في تنشئة الأجيال المقبلة والفتيّة، التي تبني أفكارها على ما في المواد التربوية خلال دراستها الأكاديمية".

ويلفت سكرية إلى أن "بث الكراهية في لبنان والتحريض ضد طرف لبناني قاعدته الشعبية واسعة جدًا أمر خطير، وهؤلاء الطلاب الذين يتتلمذون في هذه المدرسة بعد تخرجهم وسفرهم لإكمال دراساتهم العليا في بلاد الاغتراب سيفتقدون للحصانة الوطنية، ويصبح العدو الصهيوني بالنسبة لهم صديقًا، حتى أنه قد يصبح الطالب منهم مشروع عميل للاستخبارات الصهيونية، التي تقطف ثمار ما تزرعه، عبر ثغرات في النظام التربوي في لبنان".

يسأل سكرية عن الجهة المسؤولة، أكانت وزارة التربية ومركز البحوث والإنماء، أم الأمن العام، كما يسأل عن موقف مكتب مقاطعة "إسرائيل" في وزارة الاقتصاد.

سكرية لم يوفر المدرسة، إذ يرى أن "مسؤولية كبرى تقع على عاتقها في هذا الخصوص، وهي التي تعرف عن سابق تصور وتصميم ما تعطيه للطلاب من مواد"، مشيرا إلى ضرورة فتح تحقيق مع إدارتها، لجهة انتهاكها قانون المقاطعة المعمول به في لبنان، ومحاسبتها من قبل الجهات المعنية والسلطات القضائية.

وفي رده عن سؤال حول تواصل الجمعية الوطنية لمقاومة التطبيع مع أي من المعنيين، يرد سكرية بالإيجاب، ويقول:"تواصلنا مع المعنيين في مكتب المقاطعة في وزارة الاقتصاد وقال إن هذه ليست مسؤوليتهم، وهم أحالونا على المديرية العامة للأمن العام، التي أبدت تجاوبا وطلبت تزويدها بالمعطيات حول الكتاب، كي تقوم بالمقتضى المطلوب".

* لا صلاحيات رقابية لوزارة التربية على المناهج التربوية الوافدة من الخارج 

لوضع النقاط على الحروف، توجهنا بالسؤال إلى المحلق الإعلامي في وزارة التربية ألبير شمعون حول دور الوزارة الرقابي على المناهج التربوية. شمعون أكد أن الكتب الأجنبية التي تدخل لبنان ليست مسؤولية الوزارة، وهي ليست لها أية سلطة أو صلاحية عليها، إنما الرقابة على مضامينها تقع على عاتق الأمن العام اللبناني.

ويوضح شمعون أن مركز البحوث والإنماء التابع لوزارة التربية يعنى بالكتب التي تُطبع داخل لبنان، ومهمته مراقبة ما إذا كانت مضامين الكتب تزعزع العلاقة مع دول صديقة، لكن الكتاب المقصود أجبني المصدر، وعليه يطلب منا "التوجه للأمن العام وتزويده باسم الكتاب واسم دار النشر، وهو بدوره يحضر نسخة منه للتأكد وإجراء المقتضى".

*الأمن العام يسمح للشركات المستوردة بإدخال الكتب الأجنبية عبر بيان جمركي

رئيس مكتب شؤون الإعلام في المديرية العامة للأمن العام العميد نبيل حنون يؤكد لموقع "العهد" أن هذا الكتاب من مسؤولية المديرية، ويشرح آلية استيراد الكتب من الخارج بالتالي:"يدخل آلاف الكتب إلى لبنان يوميا، واستيراد الشركات للكتب من الخارج يوجب عليها استحصال بيان جمركي، يدخل بموجبه ما يقارب 10 إلى 15 ألف كتاب على مسؤوليتها الخاصة، أما الرقابة التي نفرضها فلا تسمح بطبيعة الحال بتفتيش آلاف الكتب صفحة صفحة، لكن في حال الشك بمضامين كتاب معين، يُحال إلى المديرية للتحقيق بشأنه، وهو ما سنقوم به بخصوص كتاب الجغرافيا في المدرسة المعنية".

*ما هو موقف مدرسة College Melkart من المضامين الواردة في كتابها؟

لدى اتصالنا بالمدرسة، تفاجأت المسؤولة عن المكتبة منيرة مجاعص بالأمر. ولتعذر الوصول إلى المدير أو من ينوب عنه، تنفي مجاعص بشدة أن يكون الأمر مقصودًا، وتقول: "الكتاب ليس جديدا، نحن نعتمده منذ العام 2016، مصدره فرنسا والرقابة التي نفرضها على اختيارنا الكتب لا تغطي كل الصفحات وإنما هي شمولية تستند إلى الكفايات والأهداف التي على الطالب تحقيقها".

تؤكد مجاعص حرص المدرسة على سمعتها، وتشدد على أن الأساتذة في هكذا حالة يحيدون عن هذا المضمون ويوضحون أنه لا يتماشى مع قيم المدرسة وأفكارها. تسهب مجاعص في الحديث عن علمانية المدرسة وحرصها على العيش المشترك وتقول: "ليس من مصلحة المدرسة التصويب عن عمد على حزب الله أو أي مكون لبناني آخر، كلنا لبنانيون، ونحن نعزز فكرة الوطنية بمعزل عن أية افكار طائفية أو دينية أخرى، نعم المنهاج فرنسي ولا شأن للمدرسة بما يفكر فيه الفرنسيون عن حزب الله أو غيره، لكنه من غير المقبول في College Melkart وصف حزب الله بالإرهابي، إذ يندرج هذا الأمر في سياق تعزيز النعرات الطائفية وهو ما نرفضه بشدة".

ولدى سؤالها عن الإجراءات التي ستتخذها الإدارة بعد علمها بمضمون الكتاب، تشير مجاعص إلى أنها السنة الأخيرة التي يتم اعتماده فيها، وفي العام 2020 سيكون هناك منهاج مختلف من الكتب، مؤكدة أنه في حال تكرار هكذا مضمون في الكتب المعتمدة ستعمد الإدارة إلى التصرف عبر توجيه الأساتذة نحو ما يحفظ العيش المشترك ويحترم مختلف الطوائف والأحزاب في لبنان.

البيان الوزاري للحكومة اللبنانية (المستقيلة) يتضمن إشارة الى الموضوع التربوي جاء فيها:"تطوير المناهج بما يتناسب مع متطلبات الانتماء الوطني والتطور العملي". وإزاء ما انتشر من ترويج لفكرة أن حزب الله منظمة إرهابية في كتاب لمادة الجغرافيا معتمد في مدرسة لبنانية، يصبح السؤال ضروريا حول من يحمي الأجيال الناشئة من التأثر بخطاب الكراهية الموجه ضد فئة مقاومة تمثل شريحة كبيرة من اللبنانيين، وهل يكفي أن نحيل على الشركات المستوردة للكتب مسؤولية الرقابة على المناهج التربوية المستوردَة، وتقديم "بيان جمركي" لتأكيد مدى مطابقتها للمناهج والقيم التربوية اللبنانية؟ سؤال برسم القيّمين على المناهج التربوية والتنشئة الاجتماعية.

المصدر: موقع العهد