"عم بسألك جاوبيني"، صراخًا.. عبارة وردت ضمن مشهد ما زلنا لا نجد العبارات التي تفيه الوصف بالسّفاهة وقلّة الاحترام.. بطل المشهد، الذي خرج عن أدنى قواعد اللّياقة الإنسانية من جهة، وعن القانون من جهة أخرى، ليس بعيدًا عن القانون، فهو محامٍ استقوى بالحصانة النّيابية ذات لحظة رعب أمام ملف قضائي، فصبّ بشاعة انهياره الأخلاقي والعصبيّ بوجه قاضية قامت بواجبها القانوني وأوقفت موظفة مشتبه بقيامها بجرم يعاقب عليه القانون.
بالمختصر، لم يعجب قرار القاضية غادة عون النائب عن تيار المستقبل هادي حبيش، فارتأى كمحام أن يتهجّم عليها في مكتبها، ثم يجمع صبية حوله تحت مسمّى متضامنين مع المشتبه فيها الموقوفة ويبدأ بإطلاق التهديدات في أحد الأروقة القريبة من المكتب على مرأى ومسمع من ممثلي القانون المتضامنين بدورهم مع "المعلّم"، الذي فقد حرفيًا أعصابه، حتى كاد يصيح "خذوني" كأي مريب.
تداول النّاس الڤيديو الذي وثّق جريمة النائب وحوّلها إلى جرم مشهود، وإلى ارتكاب سبقه الترصّد. حاولت قلّة تبرير ما ارتكبه فجاءت التبريرات أسوأ من الفعل نفسه. أما غالبية "المشاهدين" فقد احتاروا في توصيف ما رأوا.. تراوحت النّعوت التي التحقت باسم هادي حبيش بين "البلطجي" و"الميليشياوي" و"الأزعر" وللأمانة جميعها لم تتمكن من إيفائه حقّه، خاصةً إذا ما قمنا بمقارنة فعلته، بردّ فعل القاضية غادة عون التي حافظت على هدوئها وتهذيبها أمام هجوم موتور كاد أن يتحوّل إلى تعنيف جسدي ربّما لولا خوف المرتكِب من كاميرات الحاضرين!
قد يبدو مفهومًا أن يفقد وليد تيار المستقبل أعصابه أمام بابٍ يعرف أنه يؤدي إلى محاسبة الفاسدين. فقد عقله برهةً. عاش حرفيًا صدمة مَن يعيشون في أبراج فسادهم العاجية ولا يمكنهم استيعاب حقيقة أنّهم كسائر النّاس معرّضون للمحاسبة بل وللعقاب، وأن الأمر بسيط ببساطة أن يتكفّل قاضٍ نزيه بتطبيق القانون!
بالنتيجة، قام هادي حبيش، بارتكاب يشي أنّه ليس "هادي" أبدًا إذا ما اقترب القانون منه أو من تياره أو من أقاربه محاسِبًا.. تصرّف بأسلوب همجيّ، خارج عن كل اللّياقات وكل الأخلاقيات المتعارف عليها. قلّل من احترام مركز القاضية وصفتها الوظيفيّة، وقبل كل ذلك أكّد حقيقة الارتكاب الذي لم يُثبته القانون بعد عبر إظهاره الرّعب الشّديد من كشف الملابسات.
بمواجهة كلّ ذلك، لم تقم القاضية عون بأي ردّ فعل انفعالي.. حافظت على احترامها وهدوئها ما يعكس ثقتها بالخلفية المحض قانونية التي أدّت إلى قرارها، لا سيّما فيما يخص حقّها القانوني بتوقيف المشتبه بهم بدون إذن رؤسائهم المباشرين استنادًا إلى قانون الإثراء غير المشروع، كذلك يعكس حقيقة كونها إنساناً مهذّباً، بل شديد التهذيب، لم يجرّه قبح الفعل ومستواه الحقير إلى ردّ مشابه.
هي حادثة وجب الوقوف عندها، والتبسّم لتيّار المستقبل، ذي الرئيس والنوّاب "الثائرين" المتصدرين لشعارات "الثورة" لا سيّما فيما يخص المحاسبة ومحاربة الفساد.
نضح هادي حبيش بما فيه وبما في تياره من تأزّم أمامنا جميعًا.. فضح في ساعة غضب الرعب الذي ينخر عظام المافيا بكل أفرادها. ورغم بشاعة المشهد وقدرته على استفزاز أيّ مشاهد، إلّا أن ثمّة تفصيلاً جميلاً جدًا لا يمكن إغفاله، ألا وهو هشاشة الفاسدين وسرعة فقدانهم لأعصابهم أمام بادرة محاسبة..
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع