الفكر اليومي لا يقتصر على طرف او بيئة معينة. فما ان يسمع احد في الحراك يشتم الثنائي الشيعي وآخر يرد عليه بتحدٍّ وسباب مقابل حتى يستنتج ان المقاومة قلقة على نفسها فينبري آخر من نفس الفكر ليطمئن المقاومة انها في الحفظ والصون. ومن ثم ينصح حزب الله ان يقدم التنازل ويسمح بحكومة "مستقلة" تواجه الأزمة.
لست بمعرض الدفاع عن المقاومة في واقع هي أقوى بكثير من اي وقت مضى واقوى وأقدر على الصمود بوجه الضغوط وإن كانت مخاوفها هي تجاه البيئة الكيانية المأزومة بكل شرائحها وفي اسوأ الظروف تبقى بيئتها الأقدر على تحمل ارتدادات الأزمة اكثر من غيرها بكثير.
نعم ليست المقاومة وحزبها مسؤولين عن حل الازمات التي تطاول المكونات والبيئات الأخرى بسبب الخيارات السياسية للقوى السائدة فيها والتي انهزمت مرجعياتها في الصراع الملتهب في الإقليم. وهذا التصور قد يصدم البعض لأن في اعتبارهم الكيان وطن وأن مكوناته شعب، وأكثر الكيانيين حماسة يقولون انهم يسعون لبناء وطن ودولة! ما يعني اننا بما نحن فيه لسنا دولة اقله في المدى المنظور.
ان أسباب بقاء هذا الكيان كانت بفعل ما يدفع له من ريع لحاجته في الدور الوظيفي الذي انشىء لاجله، وهذا الدور فقده. زد على ذلك ان الحريرية قضت منذ دخولها في الحياة السياسية على كل المقومات الذاتية التي كانت توفر الحد الأدنى من الامن الغذائي والاقتصادي بقضائها على الإنتاج الذاتي.
ما كانت المقاومة لتقوى وتنتصر لو انها لم تكسر قيد الأسر الكياني وأسست مقومات صمودها الذاتي في كل الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والصحية. في ظل خوضها للصراع العسكري وعداء او تجاهل البيئات والمكونات الأخرى لما تعانيه بيئتها المباشرة بفعل العدوان الدائم عليها والتخلي "الرسمي" من سلطة الكيان عن الحد الأدنى من مسؤولياتها تجاه الأرض والناس التي يستهدفها العدوان الصهيوني.
ولا زلنا حتى اليوم لا نلحظ موقفا مسؤولا من قبل المكونات والقوى السياسية الكيانية تجاه الخروق اليومية من قبل الكيان الصهيوني، باستثناء موقف رئيس الجمهورية الذي لا يمكن ترجمته لفعل رادع بسبب تركيبة السلطة وطبيعة القوى السياسية المكونة لها.
أما المقاومة التي انتصرت في العام ٢٠٠٦ في ظل ظروف بالغة التعقيد على مختلف الصعد فلم تقتصر على تآمر القوى السياسية التي كانت تمسك بالسلطة ومَن وراءها من العرب والغرب عموما. لا يمكن ان تخشى على نفسها وبيتها من احداث وقلاقل، مهما بلغت تبقى الأقل تضررا منها، وفي نهاية المطاف قد تشعر بيئة المقاومة ببعض الضيق لكن حينها تكون القوى السياسية الأخرى افلست تماما.
فعلى المستوى الوطني سقطت المقاومة الكيانية بوجه الكيان الصهيوني وأفلست منذ العام ١٩٩٠ بالتزامن مع ما كان يسمى "المقاومة اللبنانية" الانعزالية الحليفة للعدو الصهيوني.
ان تعويم الكيان اللبناني مجددا بات أمراً مشكوك فيه ولا مقومات له كي يحيا بذاته وأي دفعة جديدة له لن تكون كافية لديمومته ولا خيارات أمام مكوناته الا بالعودة للتماهي مع محيطه العربي بدءًا من سوريا.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع