على سطح الماء رسم كيان العدو أحد وجوهه الحقيقية على هيئة نفايات صلبة وصلت إلى مسافة قريبة من الشواطئ الجنوبية للبنان، ووثّقها موقع "العهد" الإخباري على بعد مئات الأمتار من شاطئ بلدة السكسكية جنوب مدينة صيدا. وحدها الصدفة ربما هي التي تقف حائرة بين النفايات وتاريخ الاعتداءات الإسرائيلية على هذه المنطقة بالتحديد، هنا حيث لا زالت تُسمع أصوات الموت الذي بُعثت إليه على عجل قوة كاملة من نخبة وحدة الكوماندوس البحري الإسرائيلي على أطراف بلدة أنصارية كانت تحاول العبور لتنفيذ عمل أمني ذات أيلول.
من نفس المكان في عرض البحر ربما، تطلق "إسرائيل" رسائل عدوانيتها اليوم باتجاه واحدة من أكثر المناطق الساحلية هدوءًا وجمالاً وأمناً، في البحر بين السكسكية جنوب صيدا والقاسمية شمال صور تنتشر كميات من أكياس النايلون والجنفاص مع ما تحويه من مواد غذائية استهلكت في الكيان الصهيوني أو تحللت في الماء قبل أن تصل إلى هنا. وفي كلتا الحالتين ترسل "إسرائيل" نفاياتها إلى مياه لبنان في الوقت الذي لا يغفو لها جفن قبل أن تسعى وتحقق نتائج سعيها في قرصنة الثروات الطبيعية لهذا البلد لا سيما ما تختزنه مساحات واسعة من البلوكات النفطية الحدودية والتي تحاول وضع يدها عليها، وليس من باب الصدفة أن تسرق نفطاً وتعتدي بنفايات على هذه البقعة في عدوان مزدوج لا يخرج من دائرة استهداف سيادة وحقوق وخيرات بلاد الأرز.
رئيس المركز اللبناني للغوص يوسف الجندي الذي كشف عن العمل الإسرائيلي المشبوه، يقول لموقع "العهد" الإخباري إنه كان ومجموعة من الغواصين في رحلة غوص وصيد اعتيادية عندما تفاجأ بكمية كبيرة من النفايات تعوم على وجه الماء في إحدى النقاط، ليتكرر المشهد في نقاط أخرى كانت تطفو فيها حاوية يتجاوز طولها العشرين متراً مصنوعة من مادة النايلون والقماش وملفوفة بحبال تخرج منها كميات من النفايات والأكياس التي عرف من خلال الكتابات العبرية عليها أنها اسرائيلية المنشأ.
ويلفت الجندي إلى أنه على طول الشاطئ الفلسطيني المحتل لا يوجد مكبات عشوائية أو جبال نفايات كما عندنا في لبنان، إذ إن الكيان الصهيوني يعتمد على معامل التدوير والفرز في حين أن النفايات التي وصلت إلى مياهنا الإقليمية غير مفروزة أو مُعالجة، كما وأن حركة الرياح خلال الساعات الماضية والتي تتحكم بالتيارات البحرية تنفي فرضية أن تكون شحنة النفايات هذه تحركت عن طريق الصدفة من شاطئ ما على الأراضي المحتلة ما يعزز الفرضية التي تجزم بأن هذه النفايات رُميت في البحر وبكميات كبيرة جداً، مضيفًا: العديد من الصيادين تواصلوا معنا خلال ليل السبت - الأحد ليبلغوا عن مشاهداتهم لكميات من النفايات وأكياس نايلون عليها كتابات عبرية في المياه اللبنانية.
ويرى الجندي أن العدو الإسرائيلي قد حاول فعلاً التصرف بعدوانية ذكية مستغلاً التقديرات المناخية التي تتحدث عن أننا أمام عاصفة ستضرب لبنان خلال الساعات القادمة معتبرًا أن الأمواج والرياح قد تحمل هذه النفايات نحو الشواطئ اللبنانية دون أن يلتفت أحد إلى أن العملية منظمة ومدروسة، إلا أن عمليته انكشفت بعد هبوب الرياح البحرية باكراً لتكشف عن هذا العدوان والانتهاك الجديد لسيادة لبنان في مياهه في ظل الانتهاكات اليومية التي تتعرض لها أجواؤنا وأرضنا، داعياً المعنيين في الوزارات اللبنانية المختصة للتحرك على أعلى المستويات في هذا الخصوص.
وإلى حديث الجندي، يشير الغطاس أيمن فقيه والذين كان ضمن فريق الغطس الذي اكتشف الخرق الصهيوني، لموقع "العهد" الاخباري، إلى أنه وزملاءه تمكنوا من انتشال كمية من النفايات كعيّنة لتسليمها للسلطات المعنية، ويعيد التأكيد على الوجهة التي أتت منها الشحنة المذكورة والتي تحركت من داخل المياه الإقليمية المحتلة بفعل حركة التيارات البحرية نحو بحر لبنان.
ويرى فقيه وهو المتخصص في القانون، أن ما جرى هو بمثابة اعتداء اسرائيلي على سيادة بلدنا ويأتي ضمن الاعتداءات المتواصلة علينا ويتصل بالصراع المستمر معه لا سيما بما يتعلق بحماية حقوقنا النفطية في البلوكات المحاذية للحدود الفلسطينية المحتلة والتي سُجل هذا الانتهاك داخل إحداها.
العدوان الإسرائيلي الذي يأتي بعد أسابيع من قيام جنود صهاينة بإضرام النيران في كروم الزيتون واحراج السنديان في بلدة الضهيرة الحدودية يحمل هذه المرة صورة جديدة، أدانها الخبير المتخصص في شؤون البحر والحياة المائية المهندس حسن حمزة والذي شدد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على أن ما قام به العدو يشكل تهديداً للتنوع البيئي وللحياة البحرية بشكل أساسي خاصة فيما يتعلق بالمخلوقات التي تعيش فيه كالسلاحف البحرية والأسماك وغيرها، فهو يشكل خطراً على أجنة وخلايا هذه الاحياء لأن التحلل الذي يصيب هذه النفايات يضر بسلامة هذه الأحياء وصحتها ويوثر عليها وعلى السلالات التي ستنتجها في المستقبل.
ويشير حمزة إلى أن هذه النفايات تتسبب أيضاً بأزمة على مستوى بعض الأحياء التي تأكلها عن طريق الخطأ، وتضر بالموائل البحرية أو ما يعرف بالأماكن التي تعشش وتتكاثر وتتغذى فيها الأسماك، ففي الوقت الذي يتبجح فيه الكيان الغاصب بالحضارة والرقي يأتي ويرمي نفاياته بشكل مباشر في البحر لتصل إلينا دون أن يعير أي اهتمام لمعايير أو لحياة بيئية مرتبطة ومتسلسلة لا يمكن فيها فصل أي يقعة جغرافية عن الأخرى ما يعني أن أي خطر يضرب الحياة البحرية عندنا سيصل - وفق هذا الترابط - إلى بقية الشواطئ القريبة أو البعيدة عنا.
هي حكاية عدوان جديد إذاً، كان الملفت فيه هذه المرة أن من أوكلت إليهم مهمة تطبيق القرارات الدولية التي لا تغادر ملفاتها أي زيارة رسمية أو خاصة لأي مسؤول أممي إلى لبنان غابوا تماماً عن معاينة الخرق المتمادي، إلا أن غض النظر عن ارتكابات العدو يفتح صفحة متجددة تنص على أنه يمكن لـ"إسرائيل" أن تكتب فوق الماء ما تشاء، ويمكن لها أن ترسم ما تريد من أحلام تحت الماء أيضاً، ولكن يمكن أيضاً وأيضاً أن تبقى اسرائيل نفسها حبيسة حكايا زمن الرد الذي لم يتأخر يوماً ولن يتأخر في توقيت المعادلات التي لا بد أن تكتبها المقاومة بحروف من موت ونار.