#يسقط_حكم_المصرف
قد يكون هذا الشّعار هو الأكثر نقاءً من بين كل الشعارات التي تداولها الحراك المؤلّف من حراكات تبلغ التناقض أحيانًا في شعاراتها وطروحاتها ومطالبها وأهدافها. 
قلّة قليلة توجّهت مع بداية ما سُمّي لاحقًا بثورة إلى المصارف، أي إلى الواجهة التي تُدار من خلفها منظومة النّهب المحلية والتي تعمل كوكيلٍ محليّ لمنظومة النّهب الدّولي المعروفة باسم "الولايات المتحدة الأميركية وشركاها".
كانت ولم تزل المصارف، ونواتها المصرف المركزي، أداة سرقة تمتدّ إلى جيوب النّاس من أصحاب المدّخرات المالية المتوسطة أو من فئة الموظّفين المرغمين على التعامل مع المصارف عبر تقنية تسمّى "التوطين" تتمّ بناءً على اتفاق ربحيّ متبادل بين المصرف وصاحب العمل، أي صاحب رأس المال.
لذلك كان من الطبيعي أن تكون هذه المصارف وجهةً منطقية للحراكيين الذين لم يخرجوا عن مطالب الأيام الثلاثة الأولى من الحراك، والتي كانت صرخة وجع جامِعة يتشاركها نسبيًا كل من لم يُولد في عائلات "ناهبة"، أي يتشاركها معظم سكّان هذه البقعة الجغرافية، أو لنقل هذا الكيان.
قلّة تحصّنت بالشّعار النظيف والمباشر، ومضت في هجومها نحو برج "الفساد" المحصّن بمنظومة كاملة وكلّ أفرادها أملٌ بأنّ المعركة مع الفاسدين ستُحسم هنا. 
بالمقابل، كشّر الذئب المصرفي عن أنيابه، احتجز الودائع المتوسطة والأجور واختار تقسيطها لأصحابها وفق أسقف مالية يحدّدها. بمعادلة بسيطة يمكن فهم أن السّقف المالي تحدّده قيمة الوديعة، التي كلّما ارتفعت علا سقف السّحب اليومي أو الأسبوعي للمودع. الأمر غير قانوني ولكن مقاربته من وجهة قانونية تشبه إلى حدّ بعيد أن تعترض على جريمة قتل فقط لأن سلاح القاتل ليس مرخّصًا!
خرجت المصارف إذاً من حيّز الإغراء والترغيب، نزعت قناع الدعاية التي لطالما اختارت جملاً شاعرية موحية وواجهت بدورها المتضررين بوجهها الحقيقي الدميم. بوقاحة، ولنقل بصراحة شديدة، أخبر القطاع المصرفي رواده من صغار المودعين أو من ذوي الأجور الموطّنة أنّه ينهبهم ويسرقهم وأنّهم ملزمون بشكل أو بآخر بالرضوخ، وكذلك صارح الجميع بشكل عمليّ أنّ أموال الفاسدين وكبار المودعين هي في الحفظ والصون وتتميّز بخاصية التحرّك وعبور الحدود كما يشاء أصحابها. بكلام آخر، ظهر وجه القطاع المصرفي بشكل لا يقبل الشك بأنّه القطاع الذي عزّزته منظومة النهب لحماية نفسها وأموالها، محليًّا ودوليًا.
ولكن، يبقى السؤال، ومع كامل الاحترام للأصوات التي تسيّج المصارف بالغضب وبالمطالبة بالحق، هل ترضخ منظومة كاملة، واجهتها المصارف لصراخ قلّة من جمع تشتّت بين الشعارات ووصل بعضه إلى رفع التطبيع شعارًا ووجهةَ نظر؟ ويمكن صياغة السؤال، هل ترضخ هذه المنظومة المتحصنة بالمصارف لو نزل النّاس، كل النّاس وأمعنوا تكسيرًا بأبنيتها ومكاتبها وحتى بموظّفيها؟ طبعًا لا، فهذا البناء الذي يشكّل أحد أبراج الغرب في المنطقة لن يسقط بسقوط بواباته، ولن يرضخ برضوخ فرع إلى تجمّع معترض على السّقف المالي. ولكن يبدأ انهيار هذا البناء ما إن نخطو أوّل خطوة نحو التحرّر الاقتصادي، يسقط بمجرد وضع أحجار الأساس لاقتصاد منفصل عن نظام الريع المرتبط بالغرب، ينهار تماما ما إن تُحاك علاقات اقتصادية مع الدّول التي من خارج السرب الأميركي، وتلك التي تعاديه وتهزمه في ميدان الاقتصاد.
يسقط حكمًا حكم المصرف ما إن نبدأ بتصديق حقيقة أنّه يمكننا العيش خارج صندوق النّقد الدّولي، وخارج صندوق نظام الرّبح الذي يُحتسب دائمًا من جيوب الفقراء، بل من لحمهم..

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع