"عماد مغنيّة" سؤال رافق أولى ثواني الخبر يومها، قبل أن يكمل القائل بالاسم المعروف أكثر في دوائر المقاومة "الحاج رضوان".. تكفّل الدّمع بعدها بصياغة الإجابات، وما زلنا إلى اليوم نجدُ في كلّ يوم جديدًا نضيفه إلى ما صرنا نعرف، ولا نعرف إلّا القليل القليل.. 

"قاسم سليماني".. لم يُقل الخبر إلّا شهيقًا يليه زفيرٌ من دمع وغضب.. لا فارق بين الجرحين، فقد تبيّن أنّ معرفتنا بأسماء الأبطال قبل استشهادهم لا تغيّر شيئًا بكونهم سرًّا حاضرًا في تفاصيل أيامنا، ونكتشفه أكثر حين يستشهدون.. لا فارق بين جرح العماد في أرواحنا وجرح السليماني.. فكلاهما وجب أن نعرفه بحاسّة العشق، لأجلنا لا لأجلهم..
وإن كُنا نظنّ أنّنا لم نعرف العماد قبل استشهاده، فكذلك لم نعرف القاسميّ قبل فجر الثاني من كانون الثاني، وإن كانا شمسين غمرتا أيّامنا بالضوء المقاوِم والدفء المنتصر، قبل الشهادة، وقمرين يضيئان في عتمة الفقد ويشيران إلى حيث النصر حتمية رسماها خطّة قتال، وعقيدة حربية، وعشقاً.

بالأمس، عرضت قناة المنار قطرة من بحر سليماني.. البطل الأممي الذي عاش في بيوتنا وهو يتنقّل جنديًا مقاتلًا بين جبهات القتال.. كُنا نظنّ نعرفه.. القلب الذي ينضحُ حُبًا بحبيبنا مغنية والذي كان يتحدّث عنه كمن يتحدّث عن قطعة من روحه، وكنّا نظنّ نعرفه.. القويّ الذي يفيضُ حنانًا وعيناه نافذتان من عاطفة ومن يقين، والعقل المحارب الذي أتقنَ سرّ الحب وزرعه في رمل السواتر فأزهر قلاعًا من نصر وحقولًا وردها الشهداء.. كنا نظنّ نعرفه.. وحين استشهد بكيناه دمعًا مشتعلًا وكلّنا ظنّ أنّنا نبكي رجلًا من بيتنا، من عائلتنا، رجلًا نرى فيه السّند، ثم اكتشفنا أنّنا لم نعرف عنه ومنه إلّا قطرات ندى حوَت اسمه وبعض الصور.. بالأمس بل منذ دوّى الخبر في أرواحنا، وسقط على قلوبنا حدًّا من قبل وبعد، ونحن في كلّ مشهد وصورة وحديث، نكتشف حكاية جديدًا من تاريخ .. تمامًا كما حكاية استكشافنا اليوميّة في غار مغنية..

سرّان لن تستطيع الأعمار أن تكفينا للاطلّاع عليهما، وجهان لن يفارقا عيوننا وبيوتنا وحكاياتنا لأطفالنا وتنهدّات الحمد بين عزّ ووجع.. رفيقان مقاتلان مجاهدان شهيدان يضمّان أبد الدّهر مفاهيم الحقّ والكرامة والمجد في عقولنا، ويستقران في صدر دور قلوبنا شمسًا تربّت على كتف الفقد وتعيد إضاءة ما ارتكبه الحزن فينا من عتم وتعب.. حاملا الراية اللذان ما عادا، لن نعرفهما حقّ معرفة ولكن يكفينا أنّنا على ضفّة وجودهما نعِد أولادنا أن الآتي من الأيام سيكون أجمل.. ويكفينا أن عشنا زمنًا كانا فيه خير من أعدّ للمستضعفين في الأرض أرضًا صالحة للحب وللحياة..

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع