الاسرائيليات مفهوم ديني تراثي يتعلق بالأحاديث والمرويات التي تسربت من اليهود عبر الاحتكاك وعبر دخول البعض في الاسلام حاملين معهم ثقافتهم وتراثهم.

وتشكل الاسرائيليات معضلة لدى الباحثين والمفسرين بسبب الاختراق الذي حدث وصعوبة فرز الحقيقي منه من المحرف والزائف، وهي تشكل ملفا قائما بذاته لدى علماء الدين.

وموضع الشاهد هنا، ان هناك اختراقات حدثت، اما نتيجة الاحتكاك والتسرب بشكل تلقائي، واما تم دسها دسا بشكل تآمري لحرف العقيدة.

وما نتناوله هنا هو اسقاط هذا المفهوم على السياسة، فهناك اختراقات حدثت للفكر العربي والاسلامي، بشكليها، الاحتكاكي والتسربي، وايضا بالشكل التآمري عبر غرس مفاهيم صهيونية لحرف الصراع وتشويهه.

 ولعله من المنصف ان نقول، انه لم يوجد تيار واحد افلت من هذه الاختراقات سوى تيار المقاومة والذي رفض الاعتراف بالكيان الاسرائيلي، ويرى ان تحرير كامل فلسطين من البحر الى النهر هو التكليف الوحيد على عاتق الامة، ويرى ان الصراع مع الصهاينة هو صراع وجودي لا حدودي.

بينما اخترقت جميع التيارات بهذه الاسرائيليات، والمؤسف ان تيارات تنتمي لمفهوم المقاومة ولا تعترف بكيان العدو، قد تسربت لها ايضا بعض المفاهيم وشوهت كثيرا من ممارساتها!

اولا: ولنبدأ برصد التيار الليبرالي، وخاصة المدرسة النيوليبرالية، والتي لا تنطلق من مبدأ وطني او قومي في النظر الى الصراع مع الصهاينة، حيث تترقب المصالح المترتبة على (عملية السلام) والفوائد التي يمكن ان تجنيها الشعوب بالتخلي عن فكرة الحرب وان قبول الامر الواقع هو السبيل الوحيد للتنمية والازدهار الاقتصادي!

وما هذا الا مشروع بيريز والجوهر الرئيسي لمشروع الشرق الاوسط الجديد.

والقارئ الجيد لكتاب بيريز وأفكاره لا بد وأن يخرج بخلاصة نهائية لما استعرضه وحاول إثباته ومن ثم أوصى به واقترحه، وهذه الخلاصة مفادها أن كل العقائد المتعلقة بالصراع سواء كانت قومية أو دينية أو ثارات وطنية، يمكنها أن تذوب وتتلاشى بفعل المصالح الاقتصادية والرخاء والقضاء على الفقر والذي لن يتحقق سوى بالسلام!

وهذا نلمح ظلاله حاليا في تبريرات اعلامية ورسمية للتطبيع، وبشكل مكثف يثبت أن الهدف هو استبدال كافة العقائد بعقيدة المصلحة!

ثانيا: وبنظرة على التيارات الدينية المتنوعة مثل الاخوان وصولا الى التنظيمات التكفيرية والارهابية، فإن فكرة حاخامات اليهود الاساسية التي بنوا عليها تبريرهم للاستعمار وسرقة الحقوق واغتصابها وتسويغ القتل للاخرين، كانت فكرة (شعب الله المختار)، ونلمح ظلال هذه الفكرة لدى هذه التيارات والتي تتحدث بعنصرية وفوقية ولا تخلو من براجماتية في التعاون مع القوى الكبرى لتحقيق المصلحة والوصول للسلطة، وهي براجماتية صهيونية لا علاقة لها بالعنوان الديني الذي تتخذه هكذا تيارات.

ثالثا: تيارات يسارية لا ترى في الصراع جذورا مبدئية، حيث يحلو لها تحليله بشكل قاصر على الطبقية، فلا مانع من تأييد اليسار الاسرائيلي، كما ان التناقض مع كيان العدو يحدث بسبب تحوله لليمين والتحاقه بقوى الرأسمالية العالمية، وذلك بتجاهل تام لنشأة الكيان الاستعمارية الاستيطانية كمشروع وظيفي لقوى اليمين والرأسمالية.

كذلك هناك تيارات يسارية يحلو لها تقييم المقاومة على اساس فكري وتصنيفي لا على اساس الممارسة الفعلية وما تسهم به في مشروع مقاومة الهيمنة!

فيحلو لهذه القطاعات الفكرية تقزيم المقاومة الاسلامية في حزب الله، او تقزيم دولة مقاومة كبرى مثل ايران، باعتبار الانتماء لمدرسة دينية، هناك تصنيف يساري تعميمي باعتبارها رجعية وثيوقراطية، رغم التباينات والتمايزات في مدرسة المقاومة الاسلامية.

رابعا: حتى التيار القومي العربي والذي يرفض الاعتراف بالكيان الاسرائيلي، ويتقاطع في الاغلبية الكاسحة من القضايا والملفات مع ايران وحزب الله، قد تسربت لبعض قطاعاته مفاهيم صهيونية، تعتبر ان ايران مشروع قومي فارسي، وان هذا المشروع يتناقض مع المشروع القومي العربي، وان هناك (صراع وجود) مع الفرس، وهو اختراق صهيوني تسرب عبر دعايات استخباراتية دولية بالتوازي مع مفهوم ان ايران (مجوسية صفوية) والذي تم تصديره لتيارات دينية وشعبوية!

هذه الاسرائيليات في السياسة نتجت عن طريق الدعاية وتأثر بها الكثيرون دونما شعور، بما فيهم الرافضون والمعادون للصهاينة، واستطاعت ماكينات الدعاية المحلية التابعة للغرب نشرها بكثافة وغرسها لتسوغ المهادنة وعدم القدرة على المواجهة ولتبرير التبعية، وهو ما يتطلب تشويه المقاومة.

علينا ان ننقي السياسة والفكر من الاسرائيليات، كما نسعى ان ننقي ديننا منها.

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع