بين ليل الثاني عشر من شباط وصباحه، حكاية "خبر" لا تطويه السنين، ودويّ حضور فاق الغياب إيلامًا، أو ربّما دويّ غياب أعاد تشكيل مفهوم الحضور في أذهاننا.. حتى بتنا لا نعرف حقًّا إن غاب العماد في مثل هذا اليوم، أو كثّف حضوره حدّ دخول اسمه وصورته في تفاصيل أيامنا..
اثنا عشر عامًا.. بل ساعات قليلة تفصلنا عن صوت ألوف الأرواح الجريحة تصرخ "خذ مِنّا عمادًا حتى ترضى" والدّمع سيفٌ بليغ يُستلّ من كل عين وقلب.. اثنا عشر عامًا، بل أزمنة تفصلنا عن جرحٍ قصم القلب بين قبل وبعد.. اثنا عشر عامًا، وسيبقى المقاتل ذو "القلب الرقيق" على حدّ وصف أنيسه السليمانيّ، أنيس أيامنا وسرّ كل عزّ نباهي به العالم..
منذ ليل الأمس، اكتست القلوب بملامحه، بصوره، بالتسجيلات القليلة التي حظينا بها لصوته.. تهيأت بشكل أو بآخر لاستقبال الخبر مجدّدًا، لشهقات الأرواح إثر الإعلان عن اسمه، وللتحديق، مجدّدًا في مآثره التي لم تزل، وستبقى، تصفع وجه الأميركي أينما حلّ.. منذ ليل أمس، وكلّ ما فينا من نبض يطوف في فلك "مغنية".. تارةً يهديه السّلام دمعًا، وطورًا يلاحق خطواته ويرجوه لو يبقى قليلًا.
وبعد.. في كفرسوسة، أزيح خيط من اللّثام عن وجه العماد.. وبقي الكثير من روحه العظيمة طيّ السرّ، فلم ينهِ بعد ما بدأه، ولا خططه القتالية انتهت.. "فالهدف واضح ومحدّد ودقيق، إزالة إسرائيل من الوجود" ولا بدّ أن كلّ خرائط زوالها تحمل شيئًا من توقيع نبضه، والكثير الكثير من يقينه المتين، ومن "الحتمية" العالية التي زرعها في كلّ روح تؤمن بالمقاومة، وفي كل قلب يلفحه عطرٌ من غبار السواتر..
قبل الشّهادة، كان سرًّا لا يعرف بعضه إلّا المسكونون بطهر القتال، وبسحر الانتماء إلى منظومة العشق المقاتل.. وبعد الشهادة، صار السرّ الذي تحويه كفوف القلوب بحرص شديد، بحبّ عظيم، وبامتنان يشقّه الخجل نصفين من حمد ودمع..
قبل الشهادة كان وجهًا لا يراه إلّا من اصطفاهم الله وزرع في عيونهم ما يكفي من الطهر لملامسة ملامحه حين اشتباك أو ذات تخطيط وإعداد.. بعد الشهادة صار وجهًا يرافق أيّامنا جميعًا حيثما حللنا، وصارت ملامحه صراط القلوب نحو جنّة أنهارها انتصار وأرضها مقاومة..
قبل الشّهادة وبعدها، هو عمادٌ لكلّ المستضعفين في الأرض، هو الثوريّ الأمميّ الذي لقّن الشرّ المتمثل بالأميركي وأدواته دروسًا في تجرّع الهزيمة.. قبل الشهادة وبعدها، هو الحبّ الفلسطينيّ الذي لا يرضى بأقلّ من الرّوح قربان عشقٍ وحدود الهوية.. وهو الصخر الجنوبيّ المتحدّر من بيت الشهداء، وهو الرضوان الذي أحبّ الضاحية وسكنها، وسكنته، وما فرّق بينه وبينها ذاك الانفجار.. عماد مغنية واثنا عشر عامًا من حبّ لا تحدّه ثنائيات التذكر والنسيان والحضور والغياب.. "رضوان" وبيننا أبدٌ لا يزيده حزن الفقد إلّا إمعانًا في الطمأنينة..
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع