مبهرةً تبدو السطور في كل مرة يُكتب فيها عن "الحاج عماد"، لمّاعة، تشد العيون، وتأسر القلوب. لا داعي للاستعراض الإنشائي أو القصصي فيها، اسم "عماد مغنية" يكفي حتى تُقرأ مرات ومرات، وبتمعن وشغف. ربما ذلك الغموض الجميل هو السبب، وربما قدراته وشخصيته وتاريخه ومسيرته وجهاده هي السبب. لكن المحتوم، أن "الحاج رضوان" هو سحر المقاومة وسرها، هو ذلك المبدع المجهول البعيد، الذي لم يقرب إلا مرة واحدة: عندما استشهد

 اثنا عشر عاماً والخبر يطرق الآذان كأنه الآن. من دمشق، إلى لبنان والعالم أجمع، هذا الرهيب في التصدي لعدوه، قد رحل. هذا المخطط المدبر والمحنك قد خطط ايضاً لرحيله كما يرغب، بنار عدوه شهيداً. اثنا عشر عاماً والروايات تُنقل عنه، عن ايمانه وجهاده ونجاحاته وبطولاته وعلاقاته. عن خصوصياته وبعض حياته، وعن كل ما يلتصق ويتصل به. كل جوانب حياته جاذبة، ملفتة ونادرة. لكن الأجمل فيها، تلك الذاتية المنقولة عمَّن تقاسم معه الدم، والبيت والغياب، أخته "زينب مغنية" التي أجرى معها موقع "العهد" مقابلة خاصة بذكرى الاستشهاد، وهذا ما قالته:

عماد .. فتى الولاية

 كل العارفين بالشهيد القائد الحاج عماد يقولون إنه لم يكن شخصًا مجردًا، أي إنه لم يكن عادياً، وإن كل تفاصيل حياته كان لها معنى، أو بُعد أو تفسير علمي، أو عقائدي، أو فلسفي - جدلي. وهو تحديداً، ما يقوله عنه الشهيد الحاج "قاسم سليماني"، من أن علاقة "الحاج عماد" بالدنيا كانت فريدة، علاقة لا تعلّق فيها ولا غرور.

 ولأن شخصية "الحاج" كانت كذلك، فإن علاقته بفكرة "ولاية الفقيه" ومنهجها كان لافتاً. تقول زينب مغنية لموقع "العهد" إن "الشهيد الحاج كان يتمسك تمسكًا بمبدأ الولاية. وكان يؤمن بها، وينطلق منها في جهاده، حتى أنه في بدايات حركته الجهادية ضد العدو الاسرائيلي، أصرّ على اللقاء بالإمام الخميني (قده)" .. وتضيف مغنية لموقعنا "الحاج عماد كان يعتبر الإمام الخميني (قده) أباً، ويعتبر نفسه ابنه وجنديّه الذي يقتدي بتعاليمه ويسعى في نهجه ويحمل فكره، في سبيل تحقيق الهدف الأسمى وهو الاقتدار للأمة الإسلامية".

القدس.. محور جهاد العماد

في جهاده، اعتمد "الحاج رضوان" نماذج الحروب الذكية. "حرب الأدمغة" مع عدو متطور ويمتلك ما يشاء من قدرات ومقدرات. لكن الحاج عماد كان يعلم ماذا يريد من هذا العدو، ربما كانت هنا تكمن خطورته بالنسبة لمحتل القدس ومغتصب أرضها. كان يريد "فلسطين" والقدس عاصمتها، وما عدا ذلك هو مجرد سعي في سبيل الوصول إلى هذا الهدف المحدد والمشخص بدقة.

زينب مغنية لـ"العهد": كنا نجده فجأة إلى جانبنا مبتسماً وممازحاً.. ثم مفارقاً

 لذلك، تشير "زينب مغنية" لموقعنا إلى أن "القدس كان قبلة الجهاد بالنسبة للحاج عماد، وإن كانت ضمن برنامج مقاوم متدرج، لكنها كانت الأساس بلا شك أو ريب".

تشدد شقيقة الشهيد الجهادي الكبير، على محورية القضية الفلسطينية في جهاده حتى أنه "كان لا يتقبل منا أعذارًا عن عدم حضور يوم القدس العالمي سنوياً، كان يذكرنا وينبهنا إلى أهمية المشاركة والحضور جسدياً وروحياً".

بالنسبة "للحاج رضوان" فإن فلسطين ستتحرر لا محال ولا شك، الأمر مرهون بالوقت "وبأهل فلسطين المقاتلين المجاهدين، والذين كان يبني عليهم آمالًا كبيرة في استكمال المسيرة الجهادية حتى تحرير الأرض والمقدسات، من هنا كان جهاده منصبًا وبشكل أساسي على أبناء فلسطين والفصائل المقاومة، وسعيه لنقل التجربة، والسلاح، والبقاء على الاستعداد لكل خيارات المواجهة مع العدو الصهيوني".. تختم شقيقة الحاج عماد عنه في قضية فلسطين: "كانت نصب عينيه".

 عماد .. الصديق والرفيق

 من منا لا يلاحظ كيف تتبدل نبرة سماحة السيد حسن نصر الله عندما يتحدث عن "الحاج رضوان" في الشق الشخصي؟ الصورة هذه ليست عادية، ولا مجرد تبدل ملامح لشخص حزن على فراق صديق أو رفيق، الصورة فيها أبعد من ذلك، ربما ما هو مسموح الكشف عنه يكفي لترك المخيلة تبدع في رسم أي علاقة كانت بين الرجلين. تصف "زينب مغنية" العلاقة بينهما بـ "الأخوية، الوطيدة جداً، لدرجة أنهما كانا روحاً واحدة في جسدين، كان يحرص كلٌّ منهما على الآخر وعلى أبنائه وعائلته".

 لكن الكلام عن العلاقة لا يرتبط فقط بالقرب الشخصي، وتوافق الأطباع، لا بل - وهنا المهم جداً - فإن "الحاج عماد كان يرى في شخص السيد نصر الله سراً من أسرار انتصار المقاومة، والقائد الواجب طاعته" تقول شقيقته.

وماذا عن علاقته باللواء "قاسم سليماني" - شهيد محور المقاومة الذي أبى إلا أن تبقى الصلة بينه وبين "الحاج" بالدم المنثور في ميدان القتال؟

 تتحير زينب مغنية في وصف العلاقة، تتردد في انتقاء الكلمات: "ماذا عساي أقول؟! أعمق من مجرد علاقة صداقة، أو عمل، أو جهاد أو حتى أخوة". ثم تجد "مغنية" الوصف الصحيح لما يدور في ذهنها: "كانت رابطة العلاقة بين الحاج عماد واللواء سليماني أنهما جنديان في مسيرة الولاية وتحت عباءة الولي من أجل نصرة قضايا الأمة".

 تكشف "زينب مغنية" لموقعنا أنهم - كعائلة - لم يلتقوا الشهيد سليماني قبل استشهاد "الحاج عماد". بعد ذلك "كثف الشهيد سليماني من زياراته إلينا، مطمئناً ومهتماً ومتابعاً ومواسياً، ومصراً على إظهار حبه الشديد للحاج وتأثره برحيله، وهو الذي احتفظ بسترته السوداء التي استشهد بها في تفجير دمشق، ويضعها في إطار زجاجيّ مكلل بصور الشهداء والقادة".

المقاوم الساحر

عندما كان الشهيد قاسم سليماني يصف رفيق السلاح الحاج عماد، كان يقول عنه بضع كلمات: "كان رجل المفاجآت، التي كسرت صورة العدو".

كانت كل حياة "الحاج عماد" عبارة عن مفاجآت، حتى خبر استشهاده كان من أصعب المفاجآت. لكن أجمل المفاجآت كانت ايضاً في سجل "الحاج المتواضع جداً" كما تقول شقيقته، التي تنقل لموقعنا كيف "كنا نسترق النظر اليه عندما نلتقي به في مناسبات المقاومة ومسيراتها، نحاول أن نمعن النظر لنشبع منه وهو الغائب الدائم، نبعد عيوننا عنه كلما التفت الينا حتى لا نحدث إرباكاً، لكنه حتى هنا كان يفاجئنا بردة فعله، فنجده فجأة إلى جانبنا، مبتسماً وممازحاً.. ثم مفارقاً".

 

 

المصدر: فاطمة ديب حمزة - موقع العهد