المشكلة مع سعد الحريري مشكلة مركبة، بدأت بتوليه رئاسة الحكومة في لبنان شاباً غرّاً لا خبرة له بالسياسة ولا يعرف لبنان كما يجب أن يعرفه حتى أي مواطن لبناني عادي، لكن اغتيال والده أتى به إلى رئاسة الحكومة وزعامة أهل السنّة في لبنان.
وعلى الرغم من العدد الكبير من المستشارين والمحيطين به، ظلت ممارسة الحريري السياسية موضع انتقاد واستغراب وموضع سخرية أحياناً، واحتاج الشاب الجديد في عالم السياسة إلى سنوات كي يتخلى عمّن يقرأ له النص ليردده أمام الحاضرين في المناسبات المختلفة.
ومع ضعف الممارسة السياسية، بقي الشاب منشغلاً بشؤونه التجارية الخاصة، حتى كاد لا يميز بين شركاته وبين إدارة الشأن العام، وكأن لبنان الدولة شركة جديدة أضيفت إلى شركاته.
لكن على الرغم من الممارسة السياسية المثيرة للجدل، ورث الشاب سعد عن أبيه شبكة علاقات سياسية خارجية منوعة وهامة، من زعماء الخليج إلى زعماء العالم الغربي، وشكّلت هذه الشبكة رافعة له داخلياً كلما تعرّض لأمة سياسية وما أكثر هذه الأزمات.
هكذا، بدا سعد الحريري رئيس حكومة استثنائياً في بلد كل ما فيه استثنائي، لا سيما نظامه الذي يعرّفه الدستور بأنه جمهوري ديمقراطي برلماني، لكن يضاف إلى هذا التعريف كلمتا: توافقي طائفي، وهنا موضع تميّز لبنان وفرادته، السلبية طبعاً لا الإيجابية.
كان سعد الحريري أكثر رئيس حكومة مرّ في لبنان سفراً، لا لأجل البلد ومشاكله، وما أكثرها، إنما لأجل مصالحه الشخصية، بين عائلية ومالية وسياحية، وغيرها. حتى في بعض أشد أزمات البلد لم يكن الحريري في لبنان، فلمَ التعجب من أن نراه قد ألقى همّ لبنان عن كتفيه بعد أن أصبح -منذ شهور وقبل الحكومة الحالية- رئيس حكومة تصريف أعمال، مع أن الوضع كان يستدعي تدخله وإن كزعيم طائفة وحزب، إن لم يكن يريد التصرف كرئيس حكومة مستقيلة؟
مارس سعد الحريري ما يمكن تسميته "الدلع السياسي". أراد حكومة على مزاجه، تكنوقراطية يختار أعضاءها، ثم أعلن عزوفه عن منصب رئيس الحكومة، لكن أراد اختيار خلفه، وحين شعر بأن الأمر يخرج عن سيطرته حرّك جمهوره، فأقفلوا الطرقات، واعتدوا على الناس، ومنعوا المرضى من الوصول إلى أطبائهم والموظفين من الوصول إلى وظائفهم.
رئيس الحكومة الذي ساهم في خراب لبنان، وفي مراكمة مليارات الديون من الدولارات عليه، والذي استهتر كثيراً بشؤون البلد، مارس دلعه على سياسيي البلد الشرفاء، الذين يريدون النجاة بلبنان وأهله من الانهيار، فقد "عرف الزعيم مكانه فتدلَّلَ".
اليوم ظهر علينا سعد الحريري في طبعة مزيدة منقحة، إصدار جديد موديل 2020، لكنه ظهر مثيراً للشفقة عليه أكثر، ومثيراً للضحك أكثر.
كم هو مضحك أن تقف خاطباً في من تبقى لديك من جمهورٍ بينما بعض جمهورك يمارس زعرناته على لبنانيين سلميين يتظاهرون ضد أوضاع اقتصادية كنت أنت وأبوك السبب في تسع وتسعين في المائة منها.
كم هو مضحك أن تخطب مهاجماً جهاتٍ لم تكن السبب في مآسيك السياسية والاقتصادية وأنت تسند ظهرك إلى حلفاء داخليين غدروا بك مرات عديدة وخارجيين أرَوك نجوم الظهر في ذاك الفندق ذي النجوم الخمسة.
كم هو مضحك مؤلم أن تصبح مذهبياً أكثر كلما قل جمهورك وتفرق عنك محبوك، لأن المذهبية سلاحك الوحيد المتبقي، تهاجم به خصوماً سياسيين يخافون هذا السلاح ويتحاشون استعماله، لأن الأحمق وحده من يستعمله حين ضيق وحصار.
كم هو مضحك مؤلم أن تكذب على موظفيك المطرودين من وظائفهم زاعماً أن لا حق لهم يضيع لديك، وأن وأن، "وَكَمْ ذَا بِسعدٍ مِنَ المُضْحِكَاتِ".
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع