ربما لا تكون "الكورونا" من منشأ الطبيعة كغيرها من ملايين الفيروسات، لكنها حتما ليست من غضب الله على البشر كما يذهب بالتفسير بعض رجال الدين ومن الأديان المختلفة. فهل يعلم هؤلاء انه في حال انتصر العلم على هذا الفايروس سيكون انتصر على الله كما يتخيلون، والذي "لا  راد لقضائه" وحتما سيكون الانتصار للبشر بالجهود التي يبذلها العلماء لمكافحة هذا الفايروس والقضاء عليه. 
كمان ان بعض رجال الدين يغالون بزعمهم. هناك ايضا من فسر هذا الوباء باعتباره مؤامرة كونية تستهدف القضاء على البشر من جماعة ما قررت ان تنهي الحياة على الأرض او التخفيف الكبير من اعداد البشر. 
لا شك بان هذا وباء بمختلف اسبابه يشكل تحديا جديدا أمام البشرية كما سبقه من تحديات في هذا المضمار من الصراع مع الطبيعة وفيها. 
غير ان احتمال ان يكون منتجا مخبريا من أدوات الحرب الجرثومية فهذا امر بشرتنا به الثقافة الاميريكية عبر سلسلة من أفلام هوليود وبل استخدمت هذا النوع من أدوات الحرب فعلا ولو على نطاق محدود في غير مكان من العالم. ومن الناحية التاريخية لا يسعنا الا ان نتذكر ان اميركا قامت في اساسها على حرب إبادة لشعوب اميركا الأصلية واستثمرت الموارد الضخمة لبناء امبراطورية نهب وعدوان على كافة الأمم والشعوب في سبيل إخضاعها ونهب ثرواتها للتحكم في العالم. 
اذا كانت الحرب العالمية الأولى افضت الى نهاية عصر الإمبراطوريات التي كانت قائمة قبلها ومكنت الولايات المتحدة من السيطرة على نصف العالم وحصدت من نتائج الحرب العالمية الثانية القدرة على التحكم في معظم دول العالم وكان بسقوط الاتحاد السوفياتي ان أصبحت القطب الوحيد المسيطر في العالم ولا نكاد نجد حربا واحدة منذ بداية تسعينات القرن الماضي إلى يومنا هذا الا وكانت اليد الطولى فيها هي للولايات المتحدة . 
ونجحت في أوائل التسعينات في ان تخضع العالم لإرادتها وتشرك معظم الدول عبر مجلس الامن والأمم المتحدة بحروبها وفرض مصالحها وإملاءاتها على الجميع واذا كانت بعض الدول تنساق  بغير ارادتها في الركب الاميركي ظل في هذا العالم دول وقوى ابت الخضوع وقاومت ولو بسلبية عدم الاستجابة لما تريده أميريكا (الصين) وكانت هناك دول تحاول التملص من الهيمنة (روسيا) كما كان ايضا دول واجهت بتحدٍّ (إيران) . 
ومن ثم أخذت تتعاظم قوى المقاومة والممانعة بوجه اميريكا ومن جهة أخرى بدأت تتآكل قدرات اميركا على فرض ارادتها حتى على حلفائها وأدواتها المحلية في غير مكان من العالم. ولجأت الى الحروب بالوكالة والتي بدورها عجزت عن تحقيق مآربها فيها وكان اخرها في منطقتنا حيث استنفدت كل أدواتها في المنطقة بدءا من الكيان الصهيوني والمنظومة الكيانية الموروثة من سايكس -بيكو الى الثورات الملونة ومنظمات ما يسمى مجتمعا مدنيا وصولا الى تحشيد المنظمات الإرهابية من كل اصقاع الأرض التي تحطمت على صخرة الصمود والتصدي بيد قوى المقاومة ممثلة في إيران وسوريا والمقاومة الشعبية في لبنان والعراق واليمن. 
هذا الصمود الذي استنزف قدرات الولايات المتحدة شكل ايضا ركيزة أساسية استندت اليها كل من روسيا والصين لتشكلا على الصعيد العالمي سندا وقطبا بمواجهة الغطرسة الاميريكية، الى جانب عوامل اخرى لا يمكن إغفالها ومنها أن الصين أساسا وروسيا فضلا عن إيران بانتهاجها كلها سياسات اقتصادية -اجتماعية وعسكرية ناجعة مكنتها من تأمين هامش مناورة تعاظم واتسع بشكل كبير بوجه سياسة العقوبات الأميركية - الغربية بحيث جعل الولايات المتحدة عاجزة عن فرض إرادتها في حين أن قواها الاقتصادية والمالية وحتى العسكرية أخذت تتقلص إلى حدود  تضيق يوما بعد يوم مما شكل ويشكل تهديدا حقيقيا للسطوة ليس فقط بوجه أعدائها إنما أيضا في قدرتها على الحفاظ على حلفائها وأدواتها. 
في هذا السياق يمكن تصور أن تكون امريكا هي من أطلقت فايروس كورونا كآخر أداة يمكنها استعمالها ولكن مهما كانت نتائج هذا السلاح هي لن تحقق لأمريكا ربحا وحتما سوف يتوصل العلماء إلى إيجاد العلاج الملائمة له. فاميريكا عاجزة عن السيطرة في هذا المجال. وإن انهيار الإمبراطورية الاميريكية بات قاب قوسين أو أدنى وهذا ما تشير له كل التقارير والأبحاث في ميادين الاقتصاد والسياسة والعلوم الطبيعية ولن تعود الولايات المتحدة مركزا لهذا العالم.

 

المصدر: خاص الرافد

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع