"البلطجة" التي يمارسها ترامب هي عادة أميركية ونمط "استكباري" لطالما مارسته الإدارات الأميركية المتعاقبة ضد شعوب العالم.. الفارق الوحيد بين ترامب وبين مختلف سابقيه من شياطين البيت الأبيض أنّه لشدة حماقته يجاهر بالبلطجة ولا يسعى إلى تغليفها بالشعارات الأميركية المعتادة والمبتذلة كنشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان..
من هنا، يعتبر انتظار الانتخابات الأميركية والمراهنة على اختلاف في النهج الأميركي اذا ما وصل "شيطان" غير ترامب إلى المكتب الرئاسي في البيت الأبيض ضربٌ من الغباء وإصرار، قد يكون غير واعٍ، على التمسك بالحبل الأميركي المتهتك..
يخوض العالم كلّه الآن حربًا واحدة ضدّ عدو واحد. كل البلاد على حدّ سواء تواجه اليوم ڤيروسًا قاتلًا مجهول المصدر، حتى الساعة، وفتّاك. إلا أن ذلك لا يعني أن العالم كله جبهة واحدة في هذه الحرب.. فكلّ يخوض معركته بحسب سلّمه القيمي فقط. بعد أن أسقط "العدو المجهري" كل الفوارق التي كان قد شكّلها التطور التكنولوجي وأنماط الاقتصاد. لم يبق فعليًا إلّا القيم الإنسانية سلاحًا يحدّد كيفية المواجهة التي يخوضها كل مجتمع حيال كورونا. وهنا، يمكن القول إن هذه المواجهة أسقطت آخر أوراق التوت عن زيف "الإنسانية" الغربية عمومًا والأميركية بشكل خاص.
تناقلت وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة الكثير من الأخبار التي كانت صادمة بالنسبة لكثير من المصابين بوهم "الحلم الغربي".. دول تسرق شحنات أدوية ومعدات طبية مخصصة لدول منكوبة، ولايات أميركية تقرّر منع العلاج عن المصابين بمتلازمة داون أو بالتوحّد أو عن كبار السن إذا ما أُصيبوا بالڤيروس، اعتماد سياسة "مناعة القطيع" و"البقاء للأسوياء" وغير ذلك من مظاهر سقوط قيمة الإنسان، الفرد والجماعة.. بدا الأمر مفاجئًا بالنسبة للكثيرين، ووجدوا أن تلك أحداث لا تشبه حقيقة الغرب بقيادة الأميركي. فيما لو هم تفكّروا قليلًا لوجدوا أن كلّ هذا هو الترجمة الحقيقية والأكثر شفافية للنمط الغربي.. ولا حاجة لنا بتذكيرهم بما ارتكبه هذا الغرب حيال شعوبنا، فهم يجدون لهم المبررات ضدنا عبر جلد الذات وتبني النظريات الغربية التي صنّفتنا متخلفين وإرهابيين وبشراً من الدرجة الثانية. 
بالمقابل، في بلادنا الفقيرة والممزقة اقتصاديًا، البلاد التي حاربها الغرب بكل ما أوتي من عدة تكنولوجية وأسلحة ومنصات إعلامية ونهبها عبر أدواته فيها، نحارب الڤيروس وفق السلّم القيمي الأعلى والأنبل.. لذلك كانت ولم تزل حماية كبار السن وذوي الأمراض المزمنة من كورونا أولوية لا نقاش فيها، ولذلك كان الإعلان عن كل تركيبة أو بروتوكول علاجي أظهر نتائج إيجابية في مكافحة أعراض المرض واجبًا لا تتأخر بلادنا عن القيام به. لذلك بادرت إيران المحاصرة اقتصاديا بقرار أميركي أول المبادرين إلى عون "الشعب الأميركي" بالمعدات الطبية اللازمة لمكافحة كورونا ولذلك نمت بالتوازي مع الإجراءات الوقائية حملات التعاون الأهلي لسد حاجة الأكثر فقرًا وإن بالقليل القليل، فيما شاهدنا تهافت "الغربيين" على شراء الأسلحة الفردية ونمو الأعمال الجرمية في مجتمعاتهم.
هي ليست مقارنة بين بلاد منهوبة حافظت على قيمها وبلاد ناهبة لم تعط يومًا قيمة للإنسان ووجوده، لكن المشهد يفرض نفسه.. هناك، حيث تقول الدعاية إن الأولوية للإنسان، وحيث يبررون لشعوبهم قتلنا بحجة حمايتهم، أُسقطت قيمة الإنسان، إنسانهم، عند أول مواجهة أخلاقية. وهناك، حيث اجتهدوا تاريخيًا بتصويرنا متخلفين عن "حضارتهم"، أظهروا كلّ توحشّهم الغرائزي تجاه أنفسهم وشعوبهم، فيما أطفال لنا هنا يختارون أجمل ألعابهم وثيابهم لتقاسمها مع الآخرين، متمثلين بآبائهم وأمهاتهم الذين يبادرون بكل حبّ نحو كلّ مجال تعاوني يساهم في تخفيف عبء المرحلة عن الآخرين، كلّ الآخرين.
إذاً، صحيحٌ أنها حرب واحدة.. إلا أن المواجهة فيها ليست موحدة. فكل محور يواجه بالأدوات التي اعتادها أصلا.. أهل الشر بالشرّ يواجهون، وأهل الحب ما زادهم البلاء إلا يقينا بأن بالحب وحده تُصنع الإنتصارات.

المصدر: خاص الرافد

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع