في مرحلة سابقة، كان الحديث عن "حرب ناعمة" محلّ استخفاف البعض، وكان الحديث عن استهداف بيئة المقاومة بمحاولة ضرب أسوارها الثقافية يثير حفيظة البعض على اعتبار أن المتحدثين بهذه العناوين يبالغون في حسّ المؤامرة. علمًا أنّه كان من السهل ملاحظة حجم التعدّي على المنظومة القيمية التي تمدّ المقاوم بالصلابة والقدرة على القتال حتى النّصر، وكانت البصمات الغربية واضحة في كلّ اعتداء مهما بدا في ظاهره بسيطًا أو عابرًا.. ولذلك، من المنطقي  اعتبار  "القولبة والتنميط" جزءًا من الحرب الناعمة، لا سيّما أنّه تحوّل إلى مزحة متداولة على منصات التواصل الاجتماعي، وما ظهور مصطلح "علوشي" للدلالة على "ابن الضاحية" إلا أحد أبرز أشكال هذا التنميط. 
حسنًا، من هو علوشي؟
لطالما كان التنميط أداة تسيء إلى المستهدَف وتساهم في تحطيمه ومحيطه معنويًا، والمستهدَف ليس الشخص بذاته، إنّما الدائرة التي تحيط به والتي تتحوّل إلى دائرة تعاني من شتى أنواع الضغط في إطار دفعها للتمايز عن المنمّط.. وابن الضاحية، الذي يتشابه نمطيًا مع سائر أبناء الضواحي المحيطة في كلّ مدن العالم، يختلف عنهم في نقاط جوهرية تتعلّق بثقافته وبفطرته وبوجهته، ولهذا السّبب تحوّل إلى "فئة مستهدَفة"، بل إلى محطّ اهتمام معظم الفئات المختلفة عنه، أو التي تشبهه وتحاول، لأسباب منها الدونية، أن تتمايز عنه فتزايد على الاخرين في فعل رجمه.
إذاً، "علوشي" هو نمط أُلصق بابن الضاحية، في سبيل الإساءة إلى هذا الأخير وقولبته تجهيزًا لتحطيمه. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى نماذج من "ابن الضاحية" الذي لا يمكن اختصاره بصورة واحدة ، وإن كانت صفات  "القبضاي"، العاطفي، الفقير (بدرجات متفاوتة)، الملتزم دينيًا (بدرجات متفاوتة أيضًا) تكاد تكون جامعة بين "الآدمي والأزعر" بحسب التعبير الشائع. 
ولكن إن شئنا الرد على التنميط بعلوشي الذي يصوّره الغرب ووكلاؤه بالهمجي التابع الجاهل، فلا بد لنا من الرد والتذكير بالنمط الذي يريد الآخرون تغييبه، فابن الضاحية ذهب إلى أقصى العشق وعاد شهيدًا، وابن الضاحية يتابع تعليمه نهارًا ويعمل في دوامات مسائية، وابن الضاحية يعاني مرّ البطالة والفقر والتعب ولا يقبل بأن يتحوّل هذا كلّه إلى أداة تستهدف كرامته.. ابن الضاحية يحمي الأعراض ويصون مدينته، مدينة الحب، فتراه واقفًا بصفة "انضباط" معرّضًا نفسه لكل خطر يمكن تخيّله لا سيّما في مرحلة استهداف الضاحية بالسيارات المفخخة.. ابن الضاحية شاب يقود دراجته وإن التقى بسيدة تحمل شيئًا ثقيلًا يصرّ على إيصاله عنها إلى وجهتها.. هو الجار الودود والقريب الحنون.. جميلة الصورة أليس كذلك؟ سيأتي من يقول هذه الصورة لا تعكس الجميع. عظيم. صحيح هي كذلك. لكنّها أكثر حضورًا من تلك التي يحاول البعض تعميمها عن جيرانه لدواعٍ دونية، وأكثر تأثيرًا وربما إيذاءً للكثيرين ممّن يساهمون في تعميم صورة نمطية عن شاب سفيه جاهل أحمق وإلصاقها بابن الضاحية تحت اسم "علوشي".. (ليتبيّن فيما بعد أنّه مرتزق يقبض مبلغًا معيّنًا على كلّ حادثة تكسير!)
ومن ناحية أخرى، وبعيدًا عن المثاليات، الانفعال والغضب وردّ الصاع صاعين ليست صفات سيئة.. لا سيما حين نتحدّث عن ردّ فعل تم العمل بجهد على استدعائه.
أما المتسابقون على مهاجمة النموذج والساعون إلى التبرؤ منه في كلّ موقف، والذين يبدعون حقيقًا في مغازلة نموذج "the bad boy" الأميركي، فهؤلاء ليسوا مجرّد مصابين بانفصام تقييمي وقيمي، بل هم يتحولون شيئًا فشيئًا إلى أدوات يستخدمها العدو في إطار حربه الناعمة..
لا يُداوى التعميم بتعميم آخر، ولكن في مواجهة التنميط لا بدّ من كسر النمط المراد الإضاءة عليه بالتركيز على النمط الآخر، النقيّ الصادق الجميل من أقصى جانبه الانفعالي إلى أقصى جانبه الحكيم، وعلينا، في كلّ الأحوال التباهي بكلّ ما أوتينا من عزّ صنعه "ابن الضاحية" وجعله هدفًا لحرب إلكترونية يجهل معظم المشاركين فيها ما يفعلون.

المصدر: خاص الرافد

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع