مرّت الأعوام بسرعة.. ١٤ عامًا على الخبر الذي تلته الزغاريد وحواجز توزيع الحلوى على الطرقات وفي الأحياء.. "أسرت المقاومة جنديّين اسرائيليين..." والتفاصيل تختلط مع صيحات الفرح والعزّ.. 
في مثل هذا الصباح، دوّى الخبر. والعملية النوعية التي غيّرت مجرى الصراع مع العدو الصهيوني كانت عمليًا الضربة الثانية بعد تحرير العام ٢٠٠٠ والتي أثبتت للعالم كله أنّ "إسرائيل" وجيشها أوهن من بيت العنكبوت..

 

في الساعة التاسعة من صباح الأربعاء 12 تموز 2006، تحركت قوة عسكرية معادية من ستة لثمانية جنود عند خلة وردة في خراج بلدة عيتا الشعب الحدودية، فقامت وحدة خاصة من المقاومة الإسلامية بتفجير عبوة ناسفة أدت إلى قتل وجرح جميع عناصر القوة حيث دارت بعد ذلك اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة الخفيفة والمتوسطة، واشتبك خلالها رجال المقاومة مع القوة المعادية، وتمكن خلالها المقاومون من قتل خمسة جنود صهاينة، وأسر اثنين.
اليوم، بعد مضي السنين الأربعة عشر، يستعيد الناس، أشرف الناس، ذاكرة اليوم المجيد الذي حفر عميقًا في روح كلّ من عاشه. نتذكّر اللحظات لحظةً لحظة، ونحكي للصغار عن تاريخ كتبه رجال الله بدمهم، وعن نصر تحقّق بالعزم وبالتخطيط وباليقين. نحكي لهم عن مغنية، عن حضوره في ذلك اليوم، عن حضوره في كل الأيام، وعن قائد العملية الشهيد خالد بزي وسائر أفراد المجموعة البطلة.. عن رجال سدّدوا رميهم فرمى الله بأيديهم على مدى أيام ثلاثة وثلاثين، وعن الحرب الذي وقف فيها العالم ينتظر هزيمتنا وما شهد إلّا هزيمة الصهيوني، ونصرنا.. نحكي لهم التاريخ الذي عشناه، كي يعرفوا أن هذه الأرض المرصعة بدم أولادها زهرًا، حرّة وستبقى حرّة مهما تكاثر عليها الأعداء، ومهما تبدلت وجوههم وأسلحتهم..
واليوم، يعود صوت سيّد شهداء محور المقاومة قاسم سليماني متحدثًا عن تموز، عن حضوره إلى غرفة العمليات في الضاحية، عن خروجه برفقة الحاج عماد والسيد نصر الله في مدينة الحب التي استهدفها العدوان بذخيرة هائلة وبمئات الغارات وما انحنت.. هناك، حيث الدمار يخطف القلب وحيث وقفت حاجّة من طينة الطهر وفطرة الصبر اسمها كاملة سمحات، وصاحت من عمق الجرح "فدا المقاومة" فاختصرت بكلمات قليلة حال أهل المقاومة وبيئتها التي تنضح حبًّا كلّما اشتدّت الصعاب.

إذًا، تتجمع القلوب اليوم حول الثاني عشر من تموز، حول الذاكرة التي لا تتعب، الذاكرة التي لا تنضب.. حول تمّوز اليقين بنصر من الله وبنصر الله سيّدًا مقاومًا صادقًا، وتمّوز الصمود الأسطوري الذي أذهل الدنيا ومَن فيها.. تمّوز الجميل، الجميل حدّ الدّمع، كتابٌ فيه من بلاغة العشق ومن حكايات البطولة ما يكفي ليُدرّس في كلّ مدارس الشرف.. 
 

المصدر: خاص الرافد

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع