"كان لدى حزب الله غرفة عمليات في قلب الضاحية.. وفي إحدى اللّيالي خرجنا أنا والسيّد وعماد...". كلمات مسحت على قلوبنا بصوتٍ عرفناه سندًا وعرفته الجبهات مقاتلًا برتبة قاسم وعاشقًا صار سيّد شهداء محور المقاومة. هي كلمات ضمن حديثه عن حرب تموز، عن ليلات الحرب التي ما تأخر عن تفقّد جبهاتها، وحرص على مواجهة خطر الغارات الصهيونية مع قيادات المقاومة في لبنان و"الكتف على الكتف".. 
"جاء عمادٌ إليّ..." بصوت يفيض دمعًا وحبًّا قالها.. بصوتٍ حوى كل ما في روحه من عاطفة ورقّة، فأسرنا، نحن الذين لم يُشفَ فينا جرح العماد الذي ما عرفناه إلّا شهيدًا، بل الذي ما عرفناه بعد.. لم نكن نعلم أن هذه الشيبة ستكون جرحًا يجاور جرح العماد، وإن كنا جميعًا نعلم أن الشرّ الأميركي يتربّص به عند كلّ مفترق، وأنه المقدام الذي لا يهاب الموت، بل يتمناه شهيدًا.
يروي السند حكايات حرب تموز.. يجعلنا نراها بعينيه، بيقينه المقدّس.. يأخذنا إلى "شجرة" في الضاحية وليلة حرب، وأصدقاء ثلاثة، أصدقاء ورفاق قتال أمميين تلفّنا أسماؤهم بالعزّ ما حيينا.. يصحبنا في شروده بسيّدنا الأمين حين تذكّر فيه مسلم بن عقيل، ويجعلنا نرى "ضربة عليّ (ع) في الخندق" كلّما عدنا إلى مشهد البارجة ساعر حين أحرقتها المقاومة في عرض البحر، وأخرجت بذلك سلاح البحرية من لائحة العنجهية الصهيونية المسمّاة بالتفوّق العسكري.. يسحرنا محدّثًا عن عرفانيات لمعت في تموز.. يدمع، فتستحيل قلوبنا حبّات دمع في قلادات من شوق وعزّ..
في تموز ٢٠٢٠، عادت ذكرى الحرب التي تكلّلت بالنّصر، وحوت ألف ألف ذاكرة من مقاومة وصمود، من صبر ونصر.. عادت الذكرى وما زال فقد السليمانيّ يجول في أوردتنا وكأنّه للتوّ غادر بيوتنا ولن يعود.. هذا الرجل الذي ندين له بأكثر ممّا يمكن للكلمات أن تقول، ارتفع إلى السماء ملتحقًا بصديقه العماد، والذي سبقه إلى حيث جيش من شهداء ينظرون إلينا بعيون تعد بالنصر الذي أعدّت له خرائط مرسومة بالدم وبالدمع وبالتعب.. صار الصديقان شهيدين، والثالث الصديق الأمين هنا يرسم لزمن النّصر الطريق الأخير، ويكحّل بالصبر العظيم عيون كلّ النّاس.. فتراه يصدّ كلّ السيوف التي ترفع في وجه المقاومة، وفي ظهرها، ويكتب للتاريخ حكاية القائد الأصدق والأشرف والأعزّ، القائد الذي يحبّ النّاس حدّ استيعاب الجاحدين، والذي يحبّه الشرفاء فلا يمر اسمه على لسانهم دون أن يهتف نبضهم "ياخد من عمرنا ويعطيك..."

 

الآن في الضاحية، في مدينة الحبّ التي تلفّ بالجفن عيون الشهداء، كيفما نظرنا يمكن لقلوبنا أن تلمح طيف سليماني ببزة الحرب وعتاد الحبّ، تمامًا كما تلمح بأس العماد يمشي في عيون النّاس ثائرًا، ويمكن لأرواحنا أن تسمع الغضب الزينبيّ في صوت السيّد حين قال "أيّ دمٍ لنا سفكتم...".
 الآن من الضاحية، تحيّة مرصعّة بالدمع وبالفقد وبالامتنان لمقاتل أمميّ لم يتخلّ عنّا في أحلك ساعات القتال، لوليّ طاهر شهيد سيبقى حبّه زينة قلوبنا، لسندٍ ليس كمثله أحد ترك لنا يقينًا أن "يقينًا كلّه خير" ثمّ مضى..

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع