بين يوم تحرير الجرود، المعروف بالتحرير الثاني، واليوم، مسافة زمنية رسّخت في كلّ ساعة منها أهمية ذلك اليوم وانعكاساته على كل تفاصيل الحياة في لبنان.. يكفي أن نطرح فرضية "ماذا لو لم يتم تحرير الجرود"، لنتبيّن حجم النعمة التي نعيش فيها.
ماذا لو...؟
كانت ستبقى أرض الجرود وقرى البقاع الأبية وبعدها كل بقعة لبنانية تحت التهديد اليومي والمباشر لعصابات أفرادها مرتزقة من كلّ شتات الأرض، وحوش مجندة للقتل، للنهب، للسبي، للترهيب، ولكل ما يخطر بالبال من فظائع شاهدناها في سوريا وفي العراق.. كنا سنرى أعراضنا تهتك وأطفالنا تُذبح وبيوتنا تُنتهك وأرضنا تُستباح، وكان التكفير سيمتدّ إلى كلّ تفصيل في أيامنا..
نعم، كنا سنرى أقفاصًا مكتظة بالعزل يجهزها الإرهابيون ويضرمون فيها، بمن فيها، النار، وكنا سنسمع صوت احتراق لحمنا بالأذن "المجرّدة".. وكنا سنغسل دم أحبّتنا عن الإسفلت كي نحميه من دوس أقدام الإرهابيين بعدما عجزنا عن حمايتهم من الذبح تحت السيف الظالم وصيحات التكبير المخادعة.. كنا سنتوه عن أطفالنا حين نُختطف، إن بقينا أحياء، وقد نلتقي بهم في أسواق نُعرض فيها للبيع عبيدًا وجواري.. كنّا سنتمنى الموت ألف مرة فيما نرى وجوه الداعشيين وأشباههم ولا نستطيع فعل شيء..
يبدو المشهد بشعًا، مرعبًا.. لكنّه كان سيشكّل الحقيقة الوحيدة المتاحة لولا "تحرير الجرود"!
ارتكب هؤلاء أفظع الجرائم بحق الإنسانية تحت غطاء "البعد المذهبي"، لكنّهم في حقيقتهم ما كانوا إلّا أداة تحرّكها اليد السعودية بتوجيه أميركي، والهدف، كما في كل حرب وعدوان قام به العدو الصهيوني، كسر شوكة المقاومة وحماية "اسرائيل" من أي تهديد لأمنها ووجودها، وكما في كلّ خطاب سياسيّ تحريضي ضدّ المقاومة نسمعه اليوم وكلّ يوم في الداخل اللبناني.
والآن، ما زالت محاولات الأميركي والسعودي مستمرّة.. تتخذ في كلّ مرحلة شكلًا مختلفًا، وتستخدم أدوات مختلفة أيضًا لتحقيق الهدف الذي لم تحقّقه "اسرائيل" بالقصف وبالغارات، وما لم تحقّقه "داعش" ومثيلاتها بالإرهاب.
في ليلات حرب تحرير الجرود، كنا من بعيد البعيد نتابع صدى خطوات رجال الشمس وهم يطهّرون الجرد الذي رفد المقاومة بأقمار شهداء ومقاتلين أشداء، وكنا نترقب إعلان النصر بيقين تام أنّنا في حمى القوة التي لن تسمح تحت أي ظرف وأي ضغط بأن نكون تحت رحمة الإرهابيين، وبوعي تام أن هذه المعركة هي جزء من سلسلة المعارك الممتدة من اليمن إلى سوريا، ومن العراق إلى فلسطين، وأنها تُخاض بمواجهة عدوّ واحد، ورأس مدبّر يقطن في البيت الأبيض. بنهايتها، خرج الإرهابيون مهزومين، أذلاء، فيما أصرّت أطراف لبنانية على تجميل الصورة، صورة التكفيريين، وحاولت مدّهم بالدعم السياسي والمعنوي، وقيل أكثر، واستمرّت في محاولاتها المستميتة تلك إلى اليوم، بدليل ما حدث في خلدة في اليومين الأخيرين.
اذًا، في سياقها الطبيعي، كانت معركة الجرود وتبقى محطة مفصلية في تاريخ الصراع بين الخير والشر، وميدانا حربيا احتشد فيه أهل الحقد بمواجهة عشّاق موقنين أن "هيهات منّا الذلّة".
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع