تداول الكثيرون يوم أمس صورة في مطار بيروت الدولي، وتظهر فيها مجموعة من المتطوعات اللواتي يقمن بتعبئة استمارات صحية، من ضمن روتين استقبال المسافرين إلى لبنان في ظلّ جائحة كورونا، أرفقها البعض بتعليقات تافهة وبأعراض رهاب مفتعل وبكثير من الحقد. 
اللافت ليس في الصورة نفسها، فهي صورة عادية ليس فيها ما يدعو للاستغراب أو حتى للتساؤل.. المشهد بكامله لم يكن ليستوقف أحدًا لو جرى أخذ صورته وعرضها في زمن مختلف، لنقل في زمن لا تصوَّب فيه كل أسلحة الدنيا إلى صدر "بيئة المقاومة" وكل ما يرافق هذه الهجمة من محاولات لإشعال الفتنة واستفزاز لبيئة كاملة ولمكوّن "لبناني" حقّق إنجازات نوعية حفظت سيادة البلد، وحرية أهله، واستقلاله الفعلي..
لا يخفى على أحد أن "المنزعجين" من المشهد حمّلوه وحمّلوا الصورة ما أخفوه طويلًا في نفوسهم.. بعضهم، يحاضر لساعات في حقّ المرأة باختيار لباسها، لكنّه يتحوّل بلحظة إلى مصاب برهاب الاختلاف ما إن يرى امرأة تمارس حرية الالتزام بالحجاب.. وبعضهم، يمدح لساعات انعكاس العفة في ثوب الراهبات ويهلع لرؤية سيّدة ترتدي العباءة الزينبية.. بعضهم يصل فيه انفصامه حد إبداء الإعجاب بترتيب العباءة التي تلبسها إلزاميًا النساء في السعودية، ثمّ يدبّ فيه الرعب لرؤية سيدات يلبسن عباءتهن اختياريًا.. وبعضهم أيضًا كان سيستهلك كل مفردات احترام الاختلاف في وصف طبيعة التباينات الثقافية  للمكونات المجتمعية في الاتحاد السوڤياتي الذي زاره أو درس فيه ذات "منحة" وصلت إليه عن طريق حزبه.. وبعضهم، يذهلنا متحدثًا عن بشاعة التنمّر والتقليل من قيمة خيارات الآخرين، ثم يأتي ليسكب كلّ كذبه سيلًا من تنمّر حقير على خيارات تعكس هويّة تحارب الصهيوني والتكفيري دفاعًا عن الجميع، بمن فيهم هؤلاء الذين تناسوا بالأمس كلّ قضاياهم المتشابكة وكلّ شعاراتهم الكاذبة، واستوقفتهم صورة.. صورة ان أُخرجت من سياق أوهامهم لا تظهر إلا فريقًا يخاطر بالتطوّع والعمل في مكافحة ڤيروس كورونا.. صورة أثبتت أن بعض الأمراض التي كالعمالة والعنصرية والدونية وغيرها أشدّ فتكًا بإنسانية الإنسان من ڤيروس يجتاح العالم.
مع اعتماد حسن الظنّ الشديد، لا يمكن اخراج هذه "الهجمة" من سياق استهداف كلّ ما يمثّل بيئة المقاومة، من راية عاشورائية تعبّر عن معتقد طائفة أساسية من طوائف لبنان ولا تمسّ بأي شكل من الأشكال بمعتقدات الآخرين، إلى حجاب سيّدة اختارت أن ترتديه التزامًا بما تؤمن به، ولا يمسّ بطبيعة الأحوال بما يؤمن أو لا يؤمن به الآخرون. 
طالب البعض وبشكل جدّي وبقناعة تنمّ عن عقل تافه أو تغابٍ مفتعل أو عن استغباء الآخرين، اختيار أعضاء الفريق العامل بطريقة تعكس التنوّع في لبنان. المدهش أن هذا البعض، ينتقد دائمًا معيار الستة وستة مكرّر في التوظيف! المدهش أكثر، أن لم يرَ أيّ من هؤلاء حجم الضغط والإجهاد الذي يتعرض له فريق العمل في استقبال المسافرين، لم يرَ منهم إلا ثوبهم، فتجاهل وظيفتهم ودورهم وتضحيتهم، تضحيتهم التي تغمره وتغمر أهله حرصًا وحماية.
والمدهش أكثر، أن أحدًا من هؤلاء لم ينتبه لكمّ الحقارة التي تفيض منه إذا ما قيس موقفه العنصري وسقوطه الأخلاقي بكل المعايير حتى تلك المعتمدة في المجتمع الغربي.. فخرج، بوجهه الدميم العاري من كلّ أقنعة احترام الآخر وحرية المعتقد، شاهرًا سيف حقده، وساقطًا أكثر من أي وقت مضى في قعر المستنقع..
بالمناسبة، الهدف من هذه الكلمات هو توجيه تحية الحب والامتنان لسيدات محترمات في الصفّ الأول لمواجهة الوباء في مطار بيروت، لحرّات استفزّت هويّتهن الثقافية الواضحة أصحاب الهويّات المهجّنة والمأجورة، واللواتي يقمن بعملهن بإخلاص تام ويظهرن أجمل وجوه الفداء، واللواتي سيكملن مهماتهن بنفس الدرجة من الإخلاص والمحبة رغم الأذى المعنوي الذي ألحقه بهنّ حفنة من التائهين في قاع الحقد والتفاهة.. لهنّ، لعائلاتهن ولبيئتهن، كلّ الحبّ..

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع