رغم عمق وقِدم العلاقة الخيانية التي جمعت وتجمع بعض الأنظمة العربية بالكيان الصهيوني، يبقى تحوّلها إلى علاقة علنية مسبّبًا لحالٍ من الإحباط بين الناس، إذ يبدو الأمر للوهلة الأولى وكأنه نجاح حقّقه الصهاينة على حساب الشعوب التي تعاديهم. إلّا أنّ الحقيقة هي تمامًا عكس ذلك. فالصهاينة، ككيان وكعقل بُرمِج على قاعدة أنّه لا يُهزم، يعرفون جيّدًا أنّ هذه الاتفاقات في الواقع لا تساوي الحبر الذي كُتبت به، فهي لن تلزم من يعادي "اسرائيل" بالتطبيع، ولن تغيّر في طبيعة ارتكابات المطبعين إلا بتحوّلها من سريّة إلى علنية. وهم، أي الصهاينة، يدركون أنّهم في طور الهزيمة الذي بدأ عام ٢٠٠٠ وأنّ الطور التالي حتميًا هو الزوال، وبالتالي فإن سعيهم إلى إخراج علاقاتهم تلك إلى العلن محاولة مستميتة للإيحاء بأنهم لم يُهزموا، وأنّهم دولة "طبيعية" تبني علاقات مع جوارها.
من هنا، يمكن النظر إلى هذه الاتفاقات على اعتبارها خطوة "إيجابية" بالنسبة لكلّ مَن يعادي الصهيونية وكيانها. فهي، بالإضافة إلى إسهامها في تعرية الأنظمة التي ترتكبها من شعار نصرة قضية فلسطين، وبالتالي من أيّ حقّ تتوهمه لنفسها بالنطق باسم الفلسطينيين أو بادعاء الحرص على حقوقهم، تساهم أيضًا في توضيح مشهد الصراع وأطرافه، وبالتالي تخرج الرمادية البغيضة من المشهد ويبقى فقط الأبيض والأسود، بكلّ ما فيهما من وضوح في الوجهة وفي المسار.
لا فرق بين الأنظمة التي جاهرت بخطيئتها هذه التي لا طهر بعدها والأنظمة التي تسير بهذه الاتجاه، وكذلك لا فرق بين أحرار الشعوب التي جلبت إليها هذه الأنظمة عار الخيانة المشهودة إلّا بما سيصنعون حيال هذا العار. ولهذا، لا يمكن أن نتخيّل الإماراتيين الأحرار الشرفاء، على قلّتهم،  سيذعنون لشرعنة علاقة يرفضونها، ولو بموقف شريف، ولو بكلمة حق. وكذلك، لا يمكن تخيّل الغالبية الحرّة المظلومة في البحرين سترتضي فوق مظلوميّتها الخضوع لعلاقات "تطبيعية" تسمح للصهيوني بالتجوّل بينهم بسلام. وهي حقيقة يعرفها الصهاينة جيّدًا. وإن بدا لهم أنّ "السياحة" في الإمارات متاحة لهم وآمنة نسبيًا وضمن إجراءات معيّنة، فزيارة البحرين بالنسبة لهم ستقتصر على المقار الرسمية المحمية بنظام آل خليفة، ولن يتجرأ واحدٌ منهم على السير في شوارع يعرف أنّ غالبية المارة بها من طينة حرّة أبيّة.
إذًا، لم يتغيّر شيء في الجوهر، مهما حاول المطبّعون الأغبياء في الخليج تصوير الأمر وكأنهم حقّقوا ما يتيح لهم "صلاة" في الأقصى، أو زيارة إلى الأراضي المقدّسة، سواء علموا أنّهم بادعاء كهذا يظهرون غباءهم كلّه أو ظنّوا أنّه لم يزل مخفيًا، وسواء كانوا مصدّقين لما يقولون، أو مدركين لحقيقة أن تحرير فلسطين، كلّ فلسطين هو وضوء الصلاة في الأقصى. 
ويبقى كلّ اتفاق يعقده نظام خائن مع كيان زائل محض وهم لا يلزم إلا المصاببن به، ويبقى مناسبة نشكر الله فيها على عظيم نعمه أنّ جعلنا في أرض تسلّح فيها الحق برجاله، وتسلّح فيه الرّجال بحبّ استحال رصاصًا يحرّر ويهزم ويهدّد ويضع "الكيان الصهيوني" كلّه "على اجر ونص". 

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع