كل تصور يبني على ان التحالف التكتيكي الظرفي مهما بدا متماسكا ومنسجما يمكن ان يحمل اهدافا استراتيجية هو تصور واهم ان افترضنا سلامة النوايا. مع ان في السياسة كعلم يبنى على المعطيات الملموسة لا مكان فيه للنوايا الطيبة او الخبيثة.
لماذا ينزلق بعض "المنظرين" في الاستراتيجيا الى خطاب ثورجي يسقطون فيه افكارا تبدو في ظاهرها امنيات طيبة وحماسة مقرونة بزعم الحرص على المقاومة وجماهيرها وبتبسيط ساذج للمسارات تظهر القيمين على رسم التكتيكات وأصحاب القرار في موقف ملتبس كتعبير عن ضعف او جهل وما الى ذلك؟
وصنف اخر من المياومين في مقاربة الأحداث الذين يغرقون في تفاصيل حدث ما الى حد ينفصلون فيه عن السياق العام للصراع واعتباراته حدثا معزولا يمكن مواجهته بإجراء ما وينتهي الامر.
يتقاطع هؤلاء مع الصنف الاول "المنظرين الاستراتيجيين" في الغاية من بث هكذا خطب.
ان "وراء الأكمة ما وراءها". يفترض هؤلاء المعتدّون بأنفسهم انهم الأكثر جدارة في ادارة الصراع من القيمين عليه الان وان كان في دائرة الصف الثاني او الثالث.
لن ننزلق الى شخصنة الموقف وسوف نعالج الأفكار بمعزل عن اسماء أصحابها. ليس لاننا نخشى الحوار المباشر مع الأشخاص خصوصا وأننا متيقنون من ان ما يضمرونه من وراء خطبهم لا يتصل بما يعبرون عنه من مواقف. وبما انهم في المناخ العام لبيئة المقاومة يعتبرون انهم رموز لها وما يقولونه يبدو بالنسبة لجمهور المقاومة تعبيرا عن حرص يهدف الى تخفيف معاناته بسبب مفاعيل الحصار والعقوبات. ما يستوجب معالجة ابرز هذه الأفكار وتفنيدها والكشف عن سطحيتها ومخاطر الانزلاق اليها على الوضع العام وما قد يؤدي الى الاستجابة للأهداف التي تسعى اليها الولايات المتحدة الاميريكية أدواتها الدولية والإقليمية والداخلية وفي طليعتها عزل المقاومة وخنقها شعبيا وسياسيا.
في موضوع الأزمة الحكومية.
تُقارَب عند سالفي الذكر مسألة الحكومة من زاوية ان الاكثرية النيابية هي بيد المقاومة وحلفائها. وبالتالي ما على هذه الأكثرية الا ان تبادر لتشكيل حكومة من افرقائها وتعزل الأدوات الداخلية المعادية وتتصدى للحصار المفروض مع التوجه شرقا خصوصا وأن المشروع الاميركي في المنطقة هزم، او انه ضعف الى حد لا تستطيع اميريكا ان تملي ارادتها في ظل ميزان قوى داخلي يميل بشكل حاسم لصالح المقاومة.
قد يبدو هذا الكلام منطقيا بالنظر اليه نظرة عمومية وسطحية. الا ان نظرة فاحصة في الواقع الموضوعي والملموس في لبنان -ولا نحتاج الكثير من الخبرة للملاحظة- تُظهر لنا ان في لبنان أزمات متفاقمة على مختلف الصعد الاقتصادية والمالية والخدمات وانعدام وجود اي مخزون للمواد الحياتية الأساسية من قمح ومحروقات والدواء فضلا عن الكهرباء والماء، ولو لأسبوع واحد، وفي ظل انقسامات اجتماعية وسياسية حادة رغم تفاوت الأحجام تبقى في حالات التوتر السياسي قادرة على قطع التواصل في مفاصل أساسية في البلد. وتدفعه نحو حرب اهلية لا طاقة لتحمل تبعاتها عند كل شرائح الكيان اللبناني. وهذا يمنح الأعداء فرصا كثيرة للتخريب في لبنان. ولم يعد هذا الاحتمال نظريا فقط. فهل ننظر لما يجري منذ اشهر قليلة في الشمال او قلب العاصمة في بيروت الطريق الجديدة وفي خلدة وبالامس القريب ما تكشفه حركة "القوات اللبنانية" وكل هذه الفعاليات لا تتحرك عفويا ولها رعاتها ومحركوها محليا واقليميا ودوليا.
اما بخصوص تحالفات المقاومة في الداخل بدءا بحركة امل والتيار الوطني الحر والمردة والشخصيات وجماعاتها المحدودة الفعالية والتأثير حتى في دوائرها الصغيرة، فهل هؤلاء متفقون على مقاربة واحدة لطبيعة التحديات؟ نعم جميعهم ليسوا مع العقوبات الاميريكية ولكن هل هم على استعداد لتحمل تبعات المواجهة؟
ومن يراهن على ذلك هل بإمكانه الاستدلال على موقف عملي واحد خارج لعبة المكاسب في الملعب الكياني من اكبر الحلفاء الى أصغرهم؟
اما الحديث عن تشكيل جبهة للمواجهة فنسأل من هي قواها؟!
من يستطيع ان يجمع نجاح واكيم وأسامة سعد ومصطفى حمدان وهؤلاء ناصريون في مشروع واحد مهما كان حده الادنى قبل البحث في جمع رموز وتشكيلات اخرى؟
نحن لا نقول اننا في احتباس نعجز فيه عن تطوير ادوات المواجهة في مختلف الميادين، بل على العكس نملك مقومات كثيرة وافاقنا مفتوحة، الا ان الواقع السياسي والاجتماعي لم ينضج بعد لإطلاق عملية بناء اقتصاد حقيقي وتكاملي مع محيطنا. نملك القوة والقدرة على الصمود والتصدي ولكنها لم ترقَ بعد الى مستوى ننتقل فيه من الدفاع الى الهجوم. وان تسارع الأحداث واشتداد الضغوط يعجلان في نضج الظروف نحو التحول التاريخي الكبير في لبنان والمنطقة.
ان التصويب على الهدف يشترط اللحظة الملائمة للإطلاق فإن تقدم في التوقيت خاب وإن تأخر فشل.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع