كلٌّ يقسم الى قسمين: البائعون، المشترون، المستفيدون والخاسرون. عمّ نتحدَث؟ عن مجموعات التبادل وبيع الأغراض المستعملة في لبنان عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي انتشرت في الآونة الأخيرة مع ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل جنوني وفي ظل انتشار جائحة كورونا التي أوقفت الكثير من اللبنانين عن عملهم.
فمع ارتفاع أسعار السلع المستوردة والتي تشكل معظم السلع في لبنان أو معظم المواد الأولية المستخدمة في الصناعات المحلية، عاد اللبنانيون الى نظام التبادل الذي كان سائداً في القدم وذلك لعدم توفر العملات في أيديهم بشكل وفير. فيبادل المواطنون أغراضهم بأغراض غيرهم التي تشكل احتياجاتهم اليومية على مبدأ النظام التكافلي لمن لم يعد باستطاعته شراء الجديد. ولكن من هم البائعون والمشترون في هذه المجموعات؟ ومن هم المستفيدون والخاسرون في هذه الصفقات؟
يُقسم بائعو الأغراض المستعملة الى قسمين: قسم لم يعد بحاجة لبعض من أغراضه القديمة فيعرضها للبيع بأسعار من المفترض أن تكون زهيدة ليحصل على مبلغ يستطيع من خلاله شراء احتياجاته اليومية، وقسم يفضل أن يبيع ما يملكه ولو كان بحاجة إليه لأن احتياجاته الأخرى أهم ويمكن أن يبادل على حصص تموينية أو دواء أو مستلزمات أطفال وغيرها...
أما المشترون فهم أيضا قسمان: قسم يبحث عن أشياء مستعملة بأسعار تناسبهم لأن الجديد لم يعد يناسب أحداً، وقسم يستغلّ بيع البعض لأغراضه ليشتريها بثمن بخس ويتاجر فيها بأسعار عالية نتيجة لارتفاع أسعار السلع بحسب سعر صرف الدولار اليومي.
أما إذا أردنا أن نقسم المستفيدين فهناك أيضاً قسمان: قسم يستفيد من سعر اللقطة لأغراض مستعملة ولكنها بحالة جيدة أو ربما ممتازة ولكنها على السعر القديم، وقسم يستفيد من وجع غيره ليبيع أغراض بأسعار جديدة تشكّل أضعاف ما كانت عليه عند شرائها وذلك بحجة أن أسعارها جديدة أكثر من ذلك.
وإذا ما وصلنا الى الخاسرين فهم أيضاً قسمان: قسم يخسر ما يعزّ عليه من أغراضه ليحصل على ما يحتاجه يومياً، وقسم يخسر وطنه ومواطنيه وضميره مقابل ألوف الليرات التي لا تشكّل الا القليل من الدولارات. هذا القسم بالذات يقتل اللبنانين أكثر من الكورونا والدولار والسياسيين والتلوث والانفجارات والحرائق وكل ما أصاب اللبنانيين هذا العام. هذا القسم ينهش لحم أخيه بحجة حلية التجارة ومن لا يعجبه السعر لا يشترِ، ضاربين عرض الحائط بهدف هذه المجموعات التعاضدي لمساعدة اللبنانيين بعضهم الآخر، فيشتري السلعة من استطاع وليس من هو بحاجتها.
فإلى أين يمكن أن نصل؟ وأي حماقة يرتكبها هذا الشعب المسكين؟ فبدل أن نقف الى جانب بعضنا بعضًا وجدنا أنفسنا نستغلّ وجع بعضنا بعضًا للربح وأقل ما يمكن القول فيهم قول الامام علي حين سئل عن أحقر الناس "من ازدهرت أحوالهم يوم جاعت أوطانهم".
ويبقى السؤال لماذا كان اللبنانيون يشترون ما هم ليسوا بحاجة إليه؟ هل كانوا في حالة عز، أم تربوا على نظام فاسد لا يحسب حساب يومه الأسود، أم عادات وتقاليد حتّمت عليهم شراء ما هم ليسوا بحاجة له؟ أسئلة كثيرة تدفعنا للبحث عن عقلية مواطنين كُتب عليهم أن ينفضوا الغبار عن أنفسهم دائماً ويبتكروا ما يستطعيون به إكمال دورة ما يسمى "حياة".
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع