منذ اغتياله، لم يخلُ صبحٌ من صورة تسكب ملامحه العزيزة في قلوب وجّهت نبضها صوبه.
ومنذ اغتياله، لم يخلُ نهار من مرور لذاكرة له حبًّا وحربا. فهو ليس فقط أسطورتنا الحقيقية وصانع الزمن الذي جعل النّصر خبرًا عشناه قصّة قصّة، هو أيضًا ابن بيوتنا، شقيق عائلاتنا، أبونا السند، وكبيرنا، كبيرنا القوي البهيّ المُهاب. وباختصار هو عماد.
في صباح هذا اليوم، ورد الخبر التالي: "انكشاف اسم قاتل القيادي في ​حزب الله​ ​عماد مغنية"​، حيث أشارت مدونة تيكون عولام أن نوعم ياريز رئيس شركة سايبر اسرائيلية هو مهندس عملية الاغتيال، وهو كان مسؤولاً كبيراً في الموساد. ولفتت الى أنّ الرقابة العسكرية الإسرائيلية تفشل في إخفاء هوية رجل الموساد الملقب (ن) والذي نفذ الاغتيال.
للوهلة الأولى، يحار القلب بين شهقة تزيد الجرح اتساعًا وبين توجّس من كلّ ما يصدر عن جهة صهيونية من تسريبات قد تكون مقصودة. احتمالات عديدة قد تقف خلف هذا الكشف. لكنّ الدّمع يعود إلى أوّله، ويعود صوت العماد مؤكدًا أن "زوال اسرائيل من الوجود" هو تكليف. صوت في البال يرافقه ألف ألف مشهد لبطولات من صنع قوّة الرضوان، الجيش الذي حوى روح العماد وبأسه. يسكن الجرح برهة. نعود إلى تفاصيل الخبر ثمّ فورًا نسقطها من صلب الحكاية. فالخبر بكلّه تفصيلٌ لا يضيف إلى الحقيقة شيئًا. فقاتل عمادنا ليس شخصًا يُكشف اسمه أو يبقى طيّ السريّة الموسادية، وقاتلُ رضواننا ليس مجرّد جهاز استخباراتي من بين عشرات الأجهزة التي لاحقته سنينَ. ببساطة، قاتل مغنية هو كلّ مستوطن استباح حرمة أرضنا، كلّ جندي انخرط في خدمة جيش الاحتلال، كلّ حاخام دفعته يهوديته إلى إباحة دمنا، كلّ "اسرائيلي" حيثما وُجد، وكلّ صهيونيّ مهما كانت جنسيته. غريمنا هو جمع كلّ هؤلاء، هو كيانهم وكلّ من تحالف مع هذا الكيان على دمنا. ولذلك لا يمكن للثأر أن يكون أدنى ولو بدرجة من وعد العماد بأنّنا "سنطردهم".. ولهذا الثأر صنّاعه الذين عرفوا العماد عن قرب يكفي ليشربوا من روحه، وليصيروا صنّاع انتصارات شهدنا بعضها في وثائقي "أسرار التحرير الثاني" منذ أيام قليلة على قناة المنار..
مرّ الخبر على أبوابنا. ترك اسمًا وصورة ترسم ملامح من زرع في أرواحنا جرحًا بحجم عماد مغنية. وربّما ظنّ مسربوه أنّهم بذلك يضعون الحساب المرتقب في مجرى آخر، أو في درب وجهتها "الشخصنة" وكأن اسمًا ما استيقظ ذات صباح وقرّر من تلقاء نفسه اغتيال الحاج الذي مذ كان فتى يطوف بفلسطين ويعدّ العدّة لتحريرها. الثأرُ حسابه رأسٌ برأس؟ فليكن.. هذا العماد وطننا ورائحة أرضنا ومسقط أرواحنا، ولذلك ثأره هو أن يعود كلّ مستوطن إلى حيث أتى، ويعود أهل الدار إلى دورهم في فلسطين.. وهذا العماد قائد لجيش من شهداء ومنتظرين رسم معهم وبهم خطة التحرير نبضةً نبضة، وزرع في عيونهم وقلوبهم يقينًا بأن زوال اسرائيل مسألة وقت وروح تقاتل، ولذلك ثأره ليس أقلّ من يقينه.. ويقينه كان تكليفًا بإزالة "إسرائيل من الوجود"..

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع