بين منصبه كرئيس لدولة فرنسا ودوره كموفد للولايات المتحدة الأميركية، يحافظ ماكرون على شعوره بالتفوّق كرجل أبيض. وإن كانت دونية البعض في لبنان قد عزّزت لديه شعورًا كهذا، فهو لا بد اصطدم بحقيقة أنّ هذا البعض ليس كلّ اللبنانيين، بل إن هذا البعض ليس قوّة تمثيلية كافية لتمنحه، ومن أوفده، ما عجزت عنه دولته ومن يحرّكها بالحرب وبالسياسة وبالحصار الاقتصادي. صدمته كرجل أبيض، خاوٍ مصاب بوهم القوة، جعلته يرفع نبرته، مانحًا نفسه حقّ إعطاء الفرص وتحديد الخيارات. وحيال مشهد كهذا، لا يمكن للمرء، للمرء الحرّ، إلّا أن يضحك عاليًا. فالرجل، الفاشل في بلاده، يبدو في غاية الفكاهة فيما يهدّد تارّة ويفاوض طورًا، وفيما يتخطّى كلّ البروتوكولات والشكليّات المرعية الإجراء عادة حين تقوم دولة بالتدخّل في شؤون دولة أخرى، لا سيّما حين رأيناه يدين المسؤولين اللبنانيين لأنهم يسمحون للدول الأجنبية بالتدخل في شؤونهم.. مهلًا يا صاح! أنت تمثّل دولة أجنبية استعمارية تدّعي أمومة جزء من اللبنانيين، وتمثّل أيضًا إدارة استكبارية فاشلة أوفدتك لتنطق باسمها، وبالتالي أنت بدوت جاهلًا وهزيلًا على عدة مستويات، أولًا حين ارتضيت لنفسك أن تتحوّل من رئيس فرنسي إلى ساعي بريد أميركي، وثانيًا حين كنت بكل أريحية تدين ما تمارسه أنت ودولتك والدولة التي أوفدتك. أليس مضحكًا يا عزيزي أن تقوم بالشيء وتدينه وتدين من سهّله لك بدون أن يمرّ بذهنك برهة أن في هذا تعبيرًا عن انفصام حقيقي؟

 

بشكل أو بآخر، نزع ماكرون قناع المستعمِر اللطيف الذي يجول بين الناس ويضمّهم ويعدهم بما لا يملك، والذي يزور الفنانين ويتهافت إليه فاقدو الكرامة الوطنية طلبًا للنجدة الاستعمارية فيلقاهم بكلّ ما أوتي من وداعة. خرج إلينا بوقاحة من صدّق أنّ الأمر له ولمبادرته المتعثرة بمعوّقات صنعتها أدواته، أو من ظنّ أن لعبة إخراج دائرة المقاومة من مكوّنات "الدولة" اللبنانية ستمرّ ببسمة حزينة يتزيّن بها عند لقاء سيّدة مجهولة تطالبه بعودة الانتداب إلى هنا أو ببعض الكلمات المعسولة التي يغلّف بها ألفاظ ترامب السمجة.
خرج عن طوره. غضب. كاد يصيح مهدّدًا لولا أنّه فضّل الحفاظ على رباطة جأشه كي يقنعنا أنّ مبادرته لم تزل سارية المفعول. خاطب حزب الله عبر اللعب على حبال الكلمات. فماكرون، الفرنسي والذي حظي بدور الناطق باسم الأميركي، يعرف جيّدًا أن مشكلته، بما يمثّل ومن يمثّل، ليست مقعدًا وزاريًا عطّل مبادرته كما يزعم، المشكلة بالنسبة له ولفريق من اللبنانيين هي السلاح. وبالتالي مبادرته كلّها والمنسّقة تمامًا مع السعودية هي غلاف هشّ لحقيقة ما عاد ينكرها إلا جاهل أو مرتزق وظيفته التجهيل. يريد هذا الغرب حكومة تعينه على نزع هذا السلاح أو تعطيله، بعد أن فشل في توظيف "ثورة" وبعد أن فشل عبر الحصار وبعد أن فشل قبل ذلك بكثير بالحرب وبالتدمير.
وبناء على كلّ ما سبق، لا يمكن أن ننصح ماكرون إلا برحلة استجمام يستعيد بها هدوء أعصابه، وعسى يصطحب معه بعض التسجيلات والوثائقيات التي تعرض له مآثر رجال الله في حرب تموز، وأيضًا الحلقات التي تم عرضها حتى الآن من أسرار التحرير الثاني.. سيعينه ذلك على فهم الواقع في الشرق الأوسط بشكل أكثر عقلانية، وبالتالي لن يضع نفسه في موقع من يهدّد ويعطي فرصًا ويلوم.. أقلّه لن يضع نفسه ثانية في موقع المغفّل الذي كان فيه طوال الفترة الماضية. لم يبقَ إلا أن نتمنّى له رحلة سعيدة.

المصدر: خاص شاهد نيوز