في اليوم الثاني بعد المئة، ما زال عزمك في أوله، ومثلك أوّل عزمه وأقصاه سيّان.. بكلمتين، اختصرت حكاية كلّ فدائي، وحكاية كلّ فلسطين التي في الأسر: "لن أتراجع". وبكلمتين، وضعت الناس جميعًا أمام عبارة حفظوها بصوت حبيب فلسطين وعماد المقاومات: "الروح هي لي بتقاتل".
في اليوم الثاني بعد المئة يا ماهر، جسدك أضحى السلاح.. يقاتلهم بكلّ ما أوتي من صبر مذخّر في مخازن روحك. فالصبر على الوجع رصاص يصيب الصهاينة في صلب كبريائهم، ويحطّم مرة جديدة كلّ تصوّراتهم عن حياة آمنة لهم في بلاد فيها مَن يقاتل بأمعائه الخاوية إن عزّ السلاح، وفيها من يمضي إلى الموت جريئًا ولا يتراجع..
دعك يا عزيزي ممّن يناقشون الآن في جدوى أسلوبك في القتال، ممّن ينتقدون سلاحك، ممّن لا يعرفون قيمة معركتك، فالجمرة لا تحرق إلّا موضعها وقلوب المحبّين.. دعك ممّن يختلفون معك في موقف سياسي فيصطفون ضدّك ولو عبر تجاهل اسمك في قائمة شعاراتهم.. دعك منّا جميعًا، نحن الذين لا نملك إلّا أن ننظر إليك من خلف حدود الاحتلال، ومن خلف أسوار الاعتقال، ومن خلف يومياتنا، ونبوح بعجزنا التام عن مدّك بأي ذخيرة تملأ فيها جعبتك.. فبقياس ما، أنت الحرّ مقاتلًا، ونحن الأسرى.. وأنت الجريح المدجّج بشرف القتال، ونحن مجرّد ناقلي الخبر، وأنّات الجسد المدجّج بالوجع وبالكرامة..
طفلتك الآن في خارج الغرفة تعرف جيّدًا تفاصيل المعركة، أهدافها وحيثياتها.. تعي بالفطرة الفلسطينية كلّ الاحتمالات الواردة.. جاهزة لاستقبال أيّ خبر بذهنية الموقن أن النّصر خيارك الأوحد، وخيارها. ولو كلّفها هذا النّصر يتمًا إن صحّت توقعات الأطباء، فهي الفلسطينية التي ولدت صبيّة، بعد أن احتل الصهاينة حقّ المواليد بأن يمرّوا بمرحلة الطفولة.. هي تؤمن بك، وتحتفظ في ضلوعها برائحة ضمّتك التي حظيت بها منذ أيام.. سيمنحها هذا العطر درسها الأقسى في كل أيامها.. هي قريبة جدًا، شريكتك في ساحة المعركة، كتفها قرب كتفك، ولو بينهما جدار، تقاتل معك وتحمي ظهرك من خناجر الألسن التي تريدها ورقة ضغط عليك.. وتحاكم العالم، العالم كلّه بصرخة: هذا أبي يقاتل من أجل الحرية.. يا أسرى السياسة والتخاذل والتسويات.
زوجتك تولّت نقل صوتك، كي لا يتجرّأ أحد على تحريف حكايتك، وعلى برمجة كلماتك كما يشتهي.. تترجم صيحاتك في القتال.. تمسح على وجه تعبك.. تخبر الجميع أنّك لن تتراجع حين إضرابك المقدّس زحف إلى حبال صوتك وفككها.. تستحيل كلّها عينين منذ أن صار الضوء سيفًا يؤلم عينيك، وتنقل لنا ما تراه أنت..
ماهر الأخرس، الآن وقد جمعت في حكايتك كلّ حكايا فلسطين، ورسمت على جدران أيامنا صورًا عن رفاق سبقوك إلى المعركة منذ أوّل صهيوني في بلادنا، والتزمت كتابة قصة الحركة الأسيرة منذ أن أُغلقت أوّل زنزانة على حرّ، نعلمُ أنّك لن تتراجع.. نصغي بكلّ ما فينا من روح إلى صوتك.. من الجنوب اللبناني الذي أهديته حبّك موقفًا، ومن سوريا التي كلّفك موقف الحق حيالها أن تخسر بعض الأصوات التي وجب أن تكون في صفّك وتدافع عنك، من الضاحية التي غالبية أهلها يهدونك في كل يوم سلامًا وهم أهل المقاومة الذين يعرفون روحك جيدًا، تحيات قد لا ترفع عنك ولو قطرة من ألمك، لكنّها حتمًا ستصلك..
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع