في كلّ يوم وعلى مدار السنة تحطّ ذكرى شهيد على حبال قلوبنا، أما في يوم الشهيد، فيأتون جميعهم، صفوفًا من أقمار ويمرّون في نبضنا قمرًا قمرًا. وإن كان متعذرًا أن نكتب لكلّ منهم في يوم الشهيد رسالة، فكلماتٌ وجْهتها العماد ستصل حتمًا إلى قلوبهم جميعًا.
وبعد..
قال في يوم تأبينك مَن كنتَ حبيبه وصديقه وسنَده السيد حسن نصر الله: "حقّ الحاج عماد مغنية، الشهيد، على هذه الأمّة أن تعرفه، من أجلها لا من أجله، وحقّه على الأمّة أن تنصفه، من أجلها لا من أجله، وحقه على الأمّة أن تستلهم روحه ودرسه وجهاده من أجلها، لا من أجله". وما زلنا، نحن المحدّقين أبدًا في صورك، وفي ما تيسّر من سِيرتك، عاجزين تمامًا عن معرفتك.
لكنّنا يا عمادنا عاشقون. نطوف حول اسمك كي نستقي منه العطر. نواصل منذ شهقتنا يوم استشهادك الشرود في المدى الذي في عينيك استحال ميادين قتال، واكتسى بجيش من روح الرضوان يقطف الانتصارات من غيمات الحرية، بل يزرع في أرض الكرامة أفقًا من سنابل وورد.
ونبكي، ولا يخجلنا الدمع في حضرة وجهك وإن في صورة. نبكي عسى نسكّن بالملح جرحنا العالق في صوت سيدّنا الأمين يوم قال "إلى الرضوان يا رضوان..". نستعيدك في صوت الحاج قاسم: "جاء عماد إليّ..". ونبكي لأن الدّمع عاطفة سيّلها القدر كي يسقي تراب الروح حين يطيل الفقد صيفها، ويجفّف حرّ الفقد عشبها.
أعمادنا.. ما زلنا نراك ذراعًا تضم إلى ضلوع السماء كلّ من سبقك من الشهداء ومن بك التحق. ونراك بسمةً تتبع خطو المجاهدين في الجرود وفي التلال، تنبّههم إلى "تشريكة" هنا أو كمين هناك، وتدلّهم بحاسّة الفداء على مواضع الألغام وعيون القنّاصة. حتمًا نراك ونسمعك. كنت الصوت الذي يرافق صيحات رجال الله في قوّة الرضوان حين اشتباك، واللطف الذي يمتد إلى جراحهم وآخر تمتماتهم قبيل الاستشهاد أو في تنهيدات العائدين بين معركة ومعركة. نراك ونسمعك ونلمس في تربة عامل عطر خطواتك، وفي أرصفة الضاحية نبض يشير إلى مرورك من هنا. يا حبيبنا ونلمس في صورة وجهك جدران القدس وجذوع الزيتون الذي كمثل هواك فلسطيني، ونلمس فيها رهافة الياسمين في دور الشام وحدّة الخنجر اليمنيّ حين يُغرز في صدر العدوان.
نراك.. نسمعك.. نلمسك.. نشمّك كأن خرجت للتوّ إلى الشهادة من بيوتنا، من أيامنا، من تفاصيل حياتنا لتعود إليها وإلينا محمّلًا بعطور كلّ الشهداء، السّابقين واللاحقين، وتذيقنا العزّ شربة ماء لا عطش بعدها..
هو يوم الشهيد، يوم صنّاع الحياة، يوم جيش من روح الرضوان، يوم "مَنْ قَضَى نَحْبَه" ويوم "مَنْ يَنْتَظِر"، ويوم القوّة التي كمثل عمادها ما بدّلت تبديلا.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع