يبدو أن الحرب الخارجية (شبه الكونية) التي تشن ضد المقاومة، تشويهًا وتحريفًا وتضليلًا وتجنٍيًا، ليست كافية، حتى تنخرط معها أطراف داخلية، سياسية واعلامية. ويُلاحَظ أن الأخيرة هي الأكثر استشراسًا في هذه الأيام، في اعتماد حرب مشبوهة بأساليب اعلانية مبتكرة، بعضها مكشوف وواضح، والبعض الآخر تحت غطاء تقارير اجتماعية واقتصادية وسياسية، مشبعة بالتصويب السيئ النية، والتهمة ماذا؟ المساهمة في تثبيت المجتمع من خلال تنظيم وادارة اقتصاده وزراعته وصحته ومعيشته.
من الطبيعي أن هذه الحملات الاعلامية المنظمة، في التصويب على المقاومة التي تقف موقف المساعد للناس والمواطنين، دعمًا لهم على تخطي الأزمة المعيشية التي تعصف بلبنان اليوم، تحتاج لتمويل وادارة مالية واعلامية ضخمة، ولا يمكن لطرف داخلي مهما كانت قدراته، أن يغطي بدل هذه الحملات والتقارير، والتي تحتاج لجهود لوجستية وفنية وتقنية، يدرك الجميع محدودية القدرة على تغطيتها داخليًا.
طبعًا، هذه الحملات المشبوهة والممولة، هي مرتهنة لمصلحة من فرض العقوبات وضغط بالاقتصاد والسياسة والديبلوماسية لتقويض المقاومة واضعافها واستهداف موقعها القوي في معادلة الردع الاقليمية.
وهذا الطرف الأساسي والرأس المدبّر لجميع هذه الحملات، أو المدير الرئيس لهذا الاستهداف، معروف بشكل واضح، وشهادة دايفيد هيل أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي، خير دليل على هذا الطرف، حين قدم اعترافًا رسميًا بتمويل حملة واسعة بقيمة عشرة مليارات دولار، وحيث جاءت بضع مئات آلاف منها كبدل مساعدات عينية لوجستية للجيش اللبناني، كانت بأغلبها لمحاصرة حزب الله اجتماعيًا وإعلاميًا وسياسيًا، وذلك عبر أشخاص و"جمعيات" مجتمع مدني و"ثوار" مشبوهين ووسائل اعلام ومؤسسات خاصة.
والنتيجة بعد هذا التمويل الضخم، والذي يعادل موازنة دولة متوسطة القدرات والمصاريف، فشلٌ وعجزٌ في إرضاخ حزب الله أو إجباره على التنحي عن خط مقاومة ومواجهة "اسرائيل"، أو في ابعاد وتشتيت بيئته أو حلفائه، وخرج من هذه المواجهة الدولية، أقوى وأمتن، وأقرب، أولًا الى مؤسسات الدولة الشرعية (الصحية والأمنية والعسكرية والاجتماعية)، وثانيًا الى البلديات والى المواطنين والى بيئته الصامدة، وبرهن أنه منظمة قوية وقادرة على الصمود سنوات بمواجهة هذا الممول والموجّه أو بمواجهة غيره.
من هنا، كانت مناورة هذا الممول في تغيير أسلوب الاستهداف المباشر لحزب الله، والتحول الى أسلوب غير مباشر، تكفلت بتنفيذه جهات داخلية، اعلامية بشكل أساسي، وانخرطت في حملة لتشويه صورة المقاومة، تحت خديعة: "دولة داخل الدولة".
والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هو من هي هذه الدولة التي يجب على حزب الله أن يلغي امكانياته وموقعه لمصلحتها ويستقيل من دوره الوطني والاجتماعي أمام بيئته وحلفائه وأهله وينام منتظرًا رعايتها واجراءاتها؟
هل استطاعت هذه الدولة بداية حماية الأرض من الاحتلال الاسرائيلي؟ أم أن رجالها ومسؤوليها أيام ذلك الاحتلال، كانوا منقسمي التوجهات والانتماءات فضاع القرار الرسمي وتمكّن الاحتلال من تثبيت نفسه؟
هل هذه هي الدولة التي استطاعت أن تحمي ودائع الناس؟ أو التي استطاعت أن تحمي قدرتهم الشرائية؟ أم التي استطاعت أن تضبط ماليتها ووارداتها من الهدر والفساد والسرقة؟ أم أنها تلك الدولة "اللادولة"، التي لم تستطع إرغام المصارف الخاصة على تنفيذ قانون أقره مجلس النواب ونشره رئيس الجمهورية حول تحديد سعر رسمي للدولار الطالبي ومساعدتهم ومساعدة أهاليهم، ومن أموالهم ومن ودائعهم الخاصة التي نهبتها هذه المصارف برعاية حاكم مصرف لبنان؟
هل هي هذه الدولة التي لم تستطع الطلب من موظف لديها بموقع حاكم مصرفها - مصرف لبنان - أن يقدم المستندات المطلوبة والمعطيات المالية والمحاسبية لشركة التدقيق المالي الجنائي؟
أما الى "الوسيلة الاعلامية الوطنية"، اسمحي لنا أن نقارن بينك وبين المقاومة التي تصوبين عليها وتستهدفين موقعها وقوتها وموقفها، انت وسيلة إعلامية داخلية مرتهنة، ممولة من دول خارجية توجّه عمَلَكِ وقدراتِ مراسلي واعلاميي قناتك أو موقعك أو صحيفتك، للتصويب على ابن وطنك الذي قاتل العدوين - الصهيوني والتكفيري - واستشهد وضحى، لكي يعيش اصحابك وبيئتك ومجتمعك بأمان وبسلام، وانتِ اليوم بفضل هؤلاء الشهداء، تمارسين عملكِ بحرية كاملة وعلى كامل تراب الوطن، والذي تحرر بدماء الذين تستهدفينهم بنيران حقدك وارتهانك.
أمّا من تستهدفينها بتقاريرك المسمومة، فهي مقاومة وطنية قوية، خُلقت ووُجِدَت بسببين: الأول بسبب عدوان إسرائيلي احتل أراضيَ من لبنان وثبت على احتلاله بداية، نتيجة تقاعس أو ضعف أو تلكؤ سلطة مفككة ومشرذمة طائفيًا ومذهبيًا، رجالها متعددو الولاءات والارتهانات الخارجية، فاضطرت هذه المقاومة لأن تتقرب من جهة خارجية وفية، وتحصل منها على أموال وسلاح نوعي متطور، استخدمته لتقوية موقف وموقع الوطن ضد عدو متغطرس قوي، واستطاعت أن تفرض بمواجهته معادلة ردع وتوازن رعب، وحينها بدأ يحسب الف حساب اذا فكر بالاعتداء على لبنان، واضطر مُرغما للتفاوض على تثبيت حدودنا وحقوقنا في البر والبحر، بعد أن كان يدير ظهره لوجودنا ويعتبرنا طرفًا ضعيفًا هامشيًا لا دور ولا موقع له.
وبالنهاية، تمامًا كما فشل راعي وممول هذه الحملة مباشرة، في اضعاف المقاومة واجبارها على الاستسلام، وهو الطرف القوي والقادر دوليًا، من الطبيعي أن البيدق الصغير المرتهن سوف يفشل أيضًا، وسيعود خائبًا خالي الوفاض ضعيفًا.