العودة الحضورية إلى المدارس جريمة. جريمة سيُرغم الأساتذة والطلّاب على التحوّل إلى ضحية فيها، ضحيّة بكلّ ما للكلمة من معنى. فالڤيروس القاتل يتربّص بهم ولا حولَ لهم ولا قوة في مواجهة القرارات الاعتباطية التي تلزمهم بالعودة إلى الصفوف.
منذ عدّة أيّام يتأرجح الجسم التعليمي كلّه، بقسميه الرسمي والخاص بين قرار العودة وبين احتمالات أن يعود المعنيون إلى رشدهم ويواجهوا الواقع كما هو ولا تكون قراراتهم مرتكزة على تجارب دول العالم في ما يخص فتح المدارس في ظلّ الجائحة، مراعاة للفروق الشاسعة في نوعية الإجراءات المتخذة في تلك الدول وبين مدارسنا التي غالبيتها غير مجهّزة بأقل إمكانيات مكافحة العدوى، من أجهزة قياس الحرارة إلى المواد المعقّمة، وفي ظلّ غياب أي إجراء يتقصى الإصابات والمخالطين، وتجاهل كلّ مؤشرات الخطر والإصرار على الهروب إلى الأمام والمكابرة وكأن الوباء خصم شخصيّ يتدخّل في المناكفات بين من يدعون للعودة الحضورية وبين من يرفضونها بشكل قاطع.
سنتخذ مثالاً بسيطًا.. مدرسة يبلغ عديد تلاميذها ٥٠٠ تلميذ، أي حوالي ٣٥٠ أو ٤٠٠ عائلة بالإضافة إلى عديد الفريق الإداري والتعليمي.. كيف يمكن الجزم بأن إصابات ومخالطات في ١٠ عائلات فقط لن تؤدي إلى نقل حتميّ للعدوى؟ وفي ظل هذا الاحتمال، كيف يمكن الوثوق بالجهة التي تتجاهل هكذا احتمال وتصرّ على فرض العودة الحضورية بدون أن يكون للعائلات المهدّدة أي خيار بحماية نفسها دون المخاطرة بفقدان العام الدراسي لأبنائها، وبدون أي يكون للأساتذة أي حقّ بحماية أنفسهم بعدم المخالطة وتجنّب أن يكونوا رقمًا يضاف إلى قائمة المصابين أو حتى الوفيّات؟
ويبقى السؤال الأهم، لماذا لم يدرج احتمال أن تكون هذه العودة التي نعرف جميعًا أنّها مؤقتة اختيارية، بحيث يُسمح للعائلات التي لا تريد المخاطرة بجلب العدوى إلى المنازل أن تتابع تدريس أولادها بيتيًّا على أن يخضعوا للامتحانات التي تقرّرها المدرسة والوزارة للتأكد من تحصيلهم الدراسي وتحقيقهم الكفايات المتعلقة بالمنهج.. جميعنا نعلم أن العودة الإلزامية خاضعة لحسابات المصالح الإقتصادية ولا ترتبط بأي شكل بمصالح الطلاب والأساتذة، مع التذكير بأن الجسم التعليمي في لبنان فقد العديد من أفراده بعد أن أصيبوا بكورونا ولم يتمكنوا من النجاة.
المسألة بغاية الخطورة، وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجهنا جميعًا في كلّ تقنيات التعلّم عن بعد يبقى الخيار الأسلم والأحرص على منع العدوى من التفشي أكثر هو إبقاء الصفوف المدرسية مغلقة، كي لا يتحوّل أطفالنا إلى ناقلي عدوى إلى البيوت بأحسن الأحوال.. ببساطة، ينبغي للمعنيين احترام خوف الناس، ومنحهم حقّ عدم تعريض أطفالهم وأولادهم لڤيروس قاتل لم يرحم أحدًا.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع