في ذاكرة كلّ طالب جامعي مشهدٌ عن "مشكل" حدث في الجامعة، يرويه غالبًا بشكل مضحك وغريب حتى ولو كان "ضاربًا" أو "مضروبًا" أو متفرّجًا احتمى لحين انتهاء المعركة.. تتعدّد الأسباب من الخلافات الشخصية إلى الانقسامات السياسية، وتختلف النهايات من الحل الحبّي و"خلصت بأرضها" إلى المخفر والمستشفى الأقرب لمكان الإشكال. لكنّ "مشكل الجامعة" هو نفسه دائمًا. والإشكال الذي حصل في الجامعة اليسوعية لم يكن ليتسع ويتجدّد لولا "القلوب المليانة" التي تهدّد تارة بـ"كوي الزيتي"، وطورًا تأخذ دور الضحية الخائفة وتطلق العنان لأحلامها الكانتونية التقسيمية، والتي على الرغم من خبثها كفكرة لا تتعدى طور السذاجة الطفولية والشعارات التعبوية الفارغة والتي بلا أي أفق منظور.
المهم، حدث الذي حدث: تضارب الشبّان على خلفية استفزازات سابقة متعلقة بالانتخابات الجامعية، وتدخّلت القوى الأمنية لفضّ الإشكال واعتقال المشاركين فيه، وانتهى الأمر. بل وجب أن ينتهي هنا، إلّا أنّ الأمر لم ينته. بيان القوات اللبنانية بالأمس أوحى بأن قوّة ضاربة مسلّحة بـ"القنابل المضيئة" اعتدت على مجموعة من الطلاب الآمنين اللطفاء الوديعين. ولو تسنى لخيال كاتبه بالأمس أن يستفيض قليلًا لتحدّث ربّما عن إنزال جوّي أو عن ظهور سرب روبوتات طائرة قامت بقصف الطلاب الوديعين وهم يدرسون بأمان ولطف! لكن الاستعجال جعله يكتفي بقنابل مضيئة في وضح النهار. وتوالت بعد البيان صيحات الاستنكار التي ربطت الإشكال ذاك بكلّ الملفات الخلافية على الساحة اللبنانية؛ فغرّد سامي الجميّل ليربط المسألة برفض الانتخابات النيابية المبكرة، فيما تبعه ابن عمه نديم بتغريدة خالية من الأخطاء اللغوية التي اعتاد ارتكابها واتخذ من الإشكال حجّة يدلي عبرها بكلّ عقده المناطقية والطائفية، ولم يختلف في ذلك عن العديد من الموتورين الذين سارعوا إلى كيل الاتهامات الطائفية الغريبة الأطوار والتي اعتمدت خطابًا مناطقيًا بلغ حدّ الكوميديا السوداء.
هذا كلّه، بكلّ البشاعة التي فيه، بكلّ ما حوى من شتائم ومن أكاذيب ومن تهويل ومن ترجمات سياسية لا تمتّ إلى الواقع بصلة، ومن حقد لا يُخفى ومن تسييس بات معيبًا، بقي ضئيلًا أمام حركة مريبة صدرت من مخفر الأشرفية إذ تمّ تسريب صورة لبطاقة هويّة أحد الشبّان الموقوفين على خلفية الإشكال، وقد رُسم عليها بالحبر شعار حزب القوات الذي كان منحلًّا بعد الحرب الأهلية لكثرة المجازر التي ارتكبها ووشم أجساد ضحاياها بهذا الشعار.
تسريب الصورة وتناقلها بين القواتيين الذين يتبجّحون بالزيتي ويهدّدون فيه على سبيل التذكير الدائم بارتكاباتهم خلال الحرب الأهلية، يضع مَن سرّبها في خانة مساءلة حقيقية ومسؤولية كبيرة عن أي خطر قد يتعرّض له صاحب بطاقة الهوية. والأمر ليس مجرّد خطأ فردي حصل من داخل المخفر بل يتعداه إلى شيء ما قد يرتكبه المصرّون على استعادة ما يعتبرونه أمجادهم في الغدر وعلى إعادة المتاريس بين المناطق والشوارع، المسألة التي لا نعرف حتى الآن إن صارت قيد التحقيق حول مَن سرّب وعن الغاية من التسريب، لكنّها خطيرة بقدر خطورة من استغلّ "مشكل بالجامعة" لينطق بكل ما في جعبته من حقد ومن سقوط وطني وأخلاقي ومن أحلام بحرب أهلية بات متعطشًا لها لشدّة ما ادمن الدم والدمار.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع