كلّما اعتدنا كمشاهدين لنشرات الأخبار اللبنانية على درجة معيّنة من السوء، تبهرنا محطة ما بأسلوب تنافس فيها ذاتها والأخريات في السبيل التفوّق دائمًا ولو بالخواء.. وبعض الهجوم يبلغ حدّ التعرّي من كلّ الأخلاقيات المتعارف عليها بشريًا وليس مهنيًا فقط، "فالنعاس السياسي" الذي وصّفت به قناة الجديد حال الرئيس ميشال عون، إذا صحّ أصلًا، يبقى أفضل بكثير من أن يفقد الإعلاميّ كلّ تهذيبه وأن يظهر هذا الحال الهستيري من الفراغ بالمضامين وإن زُيّن الفراغ بعبارات فيروزية، وأن يحيّش كل قدراته الكلامية هجومًا على موقع الرئاسة لأسباب تتراوح ما بين رغبة الجهة المموّلة ودور القناة القديم الجديد.
للوهلة الأولى، لا يمكن سماع الجمل التي نطق بها المؤدي جورج صليبي في مقدمة النشرة الإخبارية إلا بكثير من التعجّب وليس الدهشة. فالتعجّب يأتي حتى حين يكون المسار واضحًا وصريحًا ولا يحاول الإستتار وإن ابتلي بألف معصية وطنية وأخلاقية. أمّا الدهشة فتحلّ حين يسقط المرء من علو، والجديد لم تسقط بالأمس.. بل تغاوت قليلًا بسقوطها العتيق.
شنّت الجديد هجومًا قليل التهذيب بالأمس على رئيس الجمهورية. وبدا كأن لم يخطر ببال القيّمين على القناة أنه يمكن للمشاهد أن يلاحظ حجم الفجور أو أن يربط بين الهجوم الدّولي على الرئيس المقاوم ميشال عون وبين كلمات المقدّمة الخاوية. ولا ندري إن كان ذلك بخلفية استغباء المشاهدين أم مجرّد محاولة فاشلة لتركيز الهجوم صوب شخص ميشال عون وموقعه، وتحييد كلّ من يرتكب إثم إفقار الناس وتنفيذ آليات الحصار الأميركي علينا جميعًا. هذا تعلمه ادارة الجديد جيّدًا، ولم تنجح مرة واحدة في إخفاء وظيفتها المستجدة في الدفاع عن رياض سلامة وعصابته.
منذ أيام قليلة على سبيل المثال، كان اسم عدنان القصار يكتب بغصّة الحزن كونه "على حفافي العمر" ما جعله بنظر مديرة الأخبار في قناة الجديد لا يستحق التهجم عليه ولو كان مرتكبًا. أما الرئيس، فيُلام ويُشنّ عليه هجوم ذو بعد شخصي رغم علم الجديد والجميع أن استهداف الرجل دوليًا ومحليًّا يدين المستهدِف ولا يشوّه حقيقة بسيطة تقول إنّه يُعاقب محليًّا ودوليًّا فقط لأنه حليف المقاومة، وحقيقة أخرى قد يصعب على الكثيرين استيعابها وهي أن حريّة وصلابة ميشال عون في هذه المواجهة ورغم الضغوط الهائلة تنبع من كونه ليس شريكًا في التسبب بالأزمة الاقتصادية المتراكمة منذ ثلاثين عامًا.
لو كان من المتاح اختيار عنوان يناسب مقدمة نشرة أخبار الجديد ليل أمس، لاحترنا بين مثل بالعاميّة يقول "مش رمّانة، قلوب مليانة"، وبين آخر فصيح يقول "إن لم تستحِ فافعل ما شئت"، فتوقيت الهجوم الذي بدا وكأنّه تعليمة مستعجلة لم يجد موقفًا سياسيًا حديثًا يردّ عليه، فارتأى التحجج برمانة أحاديث غير موثوقة وغير موثقة نقلها جمع من "نسوان فرن" زاروا القصر، ليبث ما في قلب المحطة، بل قلب مموّلي المحطة المملوئين غلًّا ضد رئيس لا يستسلم. ومن جهة أخرى، لا يحاول طمس الحقائق إلا المستفيد من إخفائها، ولا يخجل من توجيه أصابع الاتهام إلى المرتكبين الحقيقيين إلا الشريك ولو أخلاقيًا بالارتكاب. وهؤلاء يفقدون حتمًا حتى قواعد الحياء المهنيّ، فيفعلون، أو يكتبون حتمًا ما يشاؤون. بالنتيجة، "الشّمس طالعة والنّاس قاشعة"، وكلّ سقوط مشهود، وإن من مستنقع إلى مستنقع أعمق، وحتمًا أكثر قذارة.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع