إيتاي ماك، محام ناشط في مجال حقوق الإنسان و"ضد بيع "إسرائيل" أسلحة لأنظمة ديكتاتورية وتدريب قواتها"، وفق التعريف عنه في صحيفة "هآرتس"،  يتحدث في مقال له عن جرائم "إسرئيل" في معتقل الخيام، جنوب لبنان.

فيما يلي نص المقال المترجم:

كان "القنّ"، الاسم الذي أُطلق على الزنازين الانفرادية الصغيرة، والتي يبلغ طولها وعرضها الـ50 سنتيمتراً أما ارتفاعها فيبلغ الـ70 سنتيمتراً.

عُلّق فيها وعلى أعمدة التعذيب معتقلون كثر، جُلدوا بالكرابيج (أسلاك كهربائية مجدولة)، بينما عُذب آخرون بصعقات كهربائية بأيديهم، أصابع أقدامهم، أعضائهم التناسلية، أذانهم، حلماتهم وألسنتهم، كما وقبع جزء آخر من هؤلاء المعتقلين في ظلامٍ دامس، الأمر الذي سبب لهم إعاقات بصرية لاحقاً.

كانت أغلب زنازين معتقل الخيام ضيّقة ومكتظّة بالمعتقلين، تفتقر لشروط الصحة الأساسية كالمرحاض، حيث اضطر المعتقلون لقضاء حاجاتهم في دلو أو في ملابسهم، الأمر الذي سبب لهم أمراضاً جلدية لم يعالجها أحد.

لكن، تكمن المفارقة، بأنه كان يقبع مستشفى يبعد بضعة كيلو مترات عن المعتقل، لكن ومع الأسف لم يصله المعتقلون إلا بعد فوات الأوان.

وأعني هنا وضع انعدم فيه أي أمل بالشفاء، مات على الأقلّ داخل معتقل الخيام الذي عمل فيه سجانون ومحققون تلقى معظمهم تدريباً على يد "إسرائيل"، عشرة معتقلين.

لم يحدث التعذيب والتحقيق كما الذي وصفته آنفاً في تشيلي، الأرجنتين أو في غواتيمالا خلال سبعينيات، ثمانينيات القرن الماضي. كما ولم يحدث، في مكان يبعد آلاف الكيلومترات عن "إسرائيل"، لا بل في معتقل تحقيق وتعذيب يبعد بضع كيلومترات عن الشريط الحدودي الشمالي لفلسطين المحتلة وبلدة المطلة، وتولى إدارته خلال 1985-2000 كلّ من الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي. خلافاً لما قام به جيش "إسرائيل" في تشيلي، الأرجنتين وغواتيمالا من تدريب وتسليح للقوات الإجرامية، في حالتنا هذه قام الجيش الإسرائيلي بدفع رواتب قوات جيش لبنان الجنوبيّ الشهرية.

بذلت "إسرائيل" جهوداً جبارة للتستر على ما حدث حينها في معتقل الخيام، تماماً كمحاولتها السابقة بالتستر على التطهير العرقي والجرائم التي ارتكبت ضد الإنسانية، في أنحاء أميركا اللاتينية.

وعليه، ظلّ المعتقل مغلقاً أمام ممثلي الصليب الأحمر، المحامين والصحفيين لمدة عشر سنوات على التوالي. كما ومُنعت زيارات المعتقلين العائلية لفترات طويلة.

تنوّعت ظروف وأسباب الاعتقال، فكان هناك معتقلون وصلتهم علاقة قرابة أو صداقة بمشتبهين في أعمال مسلّحة، وعليه اعتُقلوا لإجبارهم على التعاون مع جيش لبنان الجنوبيّ ومع "إسرائيل". بينما نشط آخرون في صفوف الحزب الشيوعي، الأحزاب الاشتراكية اللبنانية، أو كانوا مناهضين للاحتلال الإسرائيلي للبنان وللاضطهاد الذي مارسه جيش لبنان الجنوبيّ في المنطقة.

لكن، ولأن جزء منهم انتمى (اشتُبه بانتمائه) لأحزاب لبنانية مسلّحة كحزب الله وحركة أمل، أو المنظّمات الفلسطينية المسلّحة، لم تحظ أعمال التعذيب الوحشية التي مورست تجاههم بالاهتمام المطلوب. بل تجاهل المجتمع الدوليّ ومنظمة الأمم المتحددة ما يجري في معتقل الخيام.

وعليه، لم يقوموا بالتحقيق أو بتوثيق ما يحدث هناك، رغم تجريم التعذيب بحسب القانون الدولي. كان، هناك توثيق وحيد، متداول وشامل لمنظمة أمنستي، صدر بين الأعوام 1992 و1997.

لم تصرح التقارير الواردة عن المعتقل - يشمل ذلك تقرير منظمة أمنستي - عن عدد المعتقلين الكلي حينها. لكن، تواجد فيه وعلى ما يبدو 200 معتقل بشكل ثابت، بل وبلغ عددهم الأقصى الـ350 معتقلاً. لكن أين هم اليوم؟ أين الناجون؟ تحوّل المعتقل لمتحف بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في أيار/مايو 2000، ونشطت عقبه منظّمات تمثل ضحايا التعذيب وتطالب بالتحقيق.

لكن، سهّل تبني حزب الله قصّة معتقل الخيام خلال حملته الدعائية، على "إسرائيل"، جهاز الشاباك والجيش التنصل من مسؤوليتهم، بل وإنكار الممارسات غير القانونية التي حدثت هناك.

تشكّل رسالة أوري تسور، أحد الأدلة الإسرائيلية الدامغة والنادرة، لما حدث في معتقل الخيام. حيث، يذكر تسور في رسالته التي تعود إلى 13.12.1998، حادثة بتر ساقَ أحد معتقلي الخيام ويدعى سليمان رمضان. مما دفع جمعية حقوق المواطن ومركز الدفاع عن الفرد، عام 1999، لتقديم التماس – (هبياس كوربوس) أمر إحضار للمتهم - للمحكمة العليا بخصوص أربعة معتقلين، كان أحدهم رمضان.

أكّد الالتماس المذكور أعلاه، أنّ رمضان تعرّض لتعذيب وحشيّ بواسطة الصعقات الكهربائية، الجَلْد والصلب على العامود. وفي ظلّ غياب علاج طبي ملائم، ظهر تقرّح (غنغرينا) في رجله اليسرى نقل على أثره، وبعد اثني عشر يوماً، إلى إحدى المستشفيات الإسرائيلية لتلقي العلاج. لكنه وصل متأخراً، حيث تم بتر ساقه فوراً.

أُعيد رمضان عقب العملية فوراً إلى معتقل الخيام، وقبع بزنزانة انفرادية، معتمة لمدة ثلاث سنوات متتالية.

وكما في كل بقعة في العالم، تواصل عائلات المفقودين البحث عن أبنائها لمعرفة مصيرهم. هذا حال ضحايا التعذيب بكل العالم، من الفليبين شرقاً وحتى إيرلندا الشمالية غرباً.

تبحث هذه العائلات عن أدلة، إجابات واعتراف رسمي لمعاناتها، كوابيسها وآلامها الجسدية المزمنة. في حالتنا هذه يحتفظ الشاباك بكل وثائق التعذيب المتعلقة بمعتقل الخيام. تؤكّد تصريحات رئيس هيئة الأركان السابق الجنرال (احتياط) دان حالوتس - والتي جاءت في الالتماس المذكور أعلاه - تورّط جهاز الشاباك في عمليات التحقيق التي جرت في معتقل الخيام.

كما وأقرّ حالوتس - وفيما يتعلق بقضية جمع المعلومات الاستخبارية والتحقيقات - بوجود علاقة بين جهاز الشاباك وجيش لبنان الجنوبيّ. بل، واعترف بأنّ بعض عناصر جهاز الشاباك، تعاونت مع بعض عناصر جيش لبنان الجنوبي، بل وقدّموا لهم مساعدة وتوجيهاً مهنياً. لم ينف حالوتس أيضاً، احتمال تورط الإسرائيليين في التحقيقات.

لكنه، ادّعى أنّهم لم يحققوا مباشرة مع المعتقلين، مضيفاً أنّ عناصر من جهاز الشاباك قامت حينها بإجراء لقاءات دورية مع محقّقي جيش لبنان الجنوبيّ داخل معتقل الخيام. نُقل مضمون هذه المحادثات لجهات أمنية إسرائيلية، التي أجرت بدورها اختبارات لكشف الكذب (بوليغراف) على بعض المعتقلين ضمن إطار التعاون بين الطرفين.

يرفض جهاز الشاباك الكشف عن الوثائق الخاصة بالممارسات غير القانونية التي جرت في معتقل الخيام، متذرعا بقوانين الأرشيف الإسرائيلية والتي تفرض سريّة تامة مدتها 90 عاماً على الوثائق التاريخية.

يستغل جهاز الشاباك هذا القانون، للتستر على تورّطه في هذه الممارسات غير القانونية، يتيح هذا القانون لجهاز الشاباك التهرب كلياً من مسؤوليته، فهو على ثقة أن الموتُ سيغيب آجلاً أم عاجلاً المعتقلين، أولادهم وأحفادهم أيضاً.

تم في شهر أيار/مايو الماضي الاحتفال بمرور 20 عاماً على انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان وإغلاق معتقل الخيام. وعليه فقد حان الوقت للكشف عن الوثائق التي بحوزة جهاز الشاباك، حان الوقت لفضح الفظائع التي ارتُكبت فيه وانصاف بعض الضحايا قبل موتهم. تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1946، ومن خلال المصادقة على قرارات محكمة نورنبيرغ العسكرية، اعتبار التعذيب جريمة بحسب القانون الدوليّ. وعليه فإنّ الجرائم التي ارتكبت في معتقل الخيام كانت ضد الانسانية جمعاء، لا ضد المعتقلين أنفسهم فقط.

قدم المحامي إيتاي ماك بمشاركة 75 ناشطاً إسرائيلياً في مجال حقوق الإنسان التماساً للمحكمة العليا، طالبوا من خلاله بالكشف عن وثائق جهاز الشاباك المتعلقة بجرائم التعذيب في معتقل الخيام.
 

المصدر: الميادين