مفردات وعبارات الشجب والإدانة لجريمة الاغتيال التي أودت بحياة الكاتب والناشط لقمان سليم، لا يمكنها التخفيف من صدمة اللبنانيين ومخاوفهم من أن تكون هذه الجريمة البشعة عودة إلى مسلسل الاغتيالات بعد خموده لسنوات، أو أن تقود البلاد نحو "انهيار أمني" بعد الانهيار النقدي والاقتصادي والتأزم السياسي.

اغتيال غاشم تقابله اتهامات غاشمة (بالجملة). إفلاس عند البعض، وخبث ومكر عند البعض الآخر. استخدام الجريمة بلا ورع (أخلاقي أو سياسي) بلغ حد الابتذال، والمستثمرون في الأحداث يفضلون الاستثمار بالجثث لا بالأحياء، لكون الأولى مربحة أكثر، وتتيح كوة لنشر الأضاليل والشائعات والتعمية عن القاتل الحقيقي عبر التزييف والرياء وتوجيه الرأي العام، على نحو "يظهرهم" كمستفيد وحيد من الجريمة.

يمكن إضافة أن إصدار التهم بشكل سابق على الفعل نفسه، لن يؤدي إلا إلى انكشاف أمني، ليس لفريق لبناني لوحده، بقدر ما هو انكشاف أمني على المستوى الوطني، ويطال الجميع، ويشرع الأبواب لكل من يريد أن يعبث ويسعى للتأثير في القوى السياسية المختلفة، المتخاصمة منها أو المتحالفة.

سرعة توجيه الاتهامات من قبل جماعة 14 آذار إلى حزب الله، بوقوفه خلف كل حدث، مهما كان نوعه، لم تعد بروباغندا بائسة فحسب. إن تجاوزها كل ما هو قانوني بالمعنى الجنائي في صناعة "الاتهام"، يشير بلا لبس إلى تآكل السياسة عند هذه الجماعة التي تعاني فشلاً راكمته على مدى 15 عاماً.

 توقيت الجريمة الشنيعة في الزمان والمكان اختارها المجرم بعناية فائقة، لأهميتهما في تسهيل توجيه الاتهام إلى المقاومة، لتفكيك وضرب البعد الاجتماعي الوطني الذي يحميها، والذي يعادل بقوته وقيمته وأهميته القوة العسكرية نفسها، إذا لم يتجاوزها. وفي عدوان تموز 2006، ظهرت جلية قيمة هذا العمق الاجتماعي والوطني للمقاومة. 

 من الظلم اختصار سيرة المغدور لقمان سليم في النشاط السياسي، وهو الباحث واللغوي والمخرج والناشر، والمشاكس في كل أعماله الواثبة نحو الاختلاف الخلاق في السياسة والثقافة، وفي الأسلوب الفريد في نشاطه السياسي. كما لا يمكن حصر نشاطه السياسي في مناهضة حزب الله فقط.

بعد "اتفاق الطائف" الذي أنهى الحرب اللبنانية، ودخول "الحريرية" إلى ميدان السياسة كممثل للخارج أكثر من تمثيلها للداخل، وارتباطها بسياق وعود لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، على خلفية "مؤتمر مدريد واتفاقية أوسلو"، وقف لقمان سليم إلى جانب شريحة من الصحافيين والكتاب والمثقفين بمواجهة الوافد الجديد، وما زال شعار "قولي لا واهزمي الملك" الذي توجه إلى السيدة فيروز كي لا تغني في ساحة "سوليدير" معلقاً في الذاكرة منذ نحو ثلاثة عقود.

هذا موقف من مواقف متشعّبة في سيرة لقمان سليم المغيبة لصالح صورة محددة لا تظهر سوى مناهضته لحزب الله، إضافة إلى تغييب مصلحة العدو باستغلال الخصومات السياسية بين اللبنانيين لصالحه.

بالطبع، ثمة من يرفض أي احتمال آخر للاتهام المعد سلفاً، والذي يغطي هنا على جريمة وقعت، ويؤمن الطريق لجريمة أخرى قد تقع. عن قصد وعن غير قصد، تتقدم استحالة أي قول بخلاف ما يراد أن يقال، ما دامت "الأمانة العامة" لجماعة 14 آذار جاهزة لتأدية واجب اتهام حزب الله وفق ما تتطلبه "وظيفة" وحيدة تمارسها ولم تعد تجيد غيرها.

يجمع اللبنانيون على أن جرائم الاغتيالات السياسية الكثيرة في تاريخهم الحديث سيبقى معظمها بلا إفادة قانونية، وسيبقى فاعلها بحكم المجهول. هذا صحيح، لكنه يصح على أكثر جرائم الاغتيال السياسي حول العالم. ميزته اللبنانية أن عدد الذين سقطوا في عمليات الاغتيال السياسي من أعلى الأعداد بين بلدان العالم.

 مؤلم وقاسٍ غياب لقمان سليم الإنسان والمثقف، وخسارة يصعب تعويضها. التحقيق يفرض تعاوناً بين أجهزة أمن الدولة وأجهزة المقاومة المعنية في هذا التحقيق، لا لأنها "متهمة"، بل لأنها المتضرر الأكبر من جريمة تتوخى استهدافها بشكل رئيسي، مستفيدة من خصومة سليم مع المقاومة، ومستندة إلى شريك يسهل الجريمة ويطلق العنان للأحقاد والغرائز، في نفي للسياسة وللعقلنة على الأرجح.

المصدر: حسين قطايا - الميادين