لم تسمح المقاومة في أول أيام التحرير أن يُترك العملاء وعائلاتهم في مرمى الانتقام، فحمت بيوتهم لأن أخلاق المقاومين تمنع أن يستباح بيت ولو كان مالكه عميلاً، وحمت عائلاتهم لأن آداب الكرام تأبى أن تحاسب عائلة على خطيئة فرد منها.
 
 
 في ذاك الزمن كان للعميل وجه يعرفه الناس، يعرفون ملامحه ولا يخطئون اسمه. من هذه الناحية، لا بد أن نترحم على ذاك الزمن الذي لم يكن  يجرؤ فيه أحد على أن يتحدث عن العمالة ك"وجهة نظر"، ولم يكن للعميل ألقاب أو مناصب مثل "كاتب صحفي" أو "ناشط مدني".
 
 
يعيش هؤلاء الكتبة اليوم بيننا، يتنزهون بيننا، ولديهم منابر ومواقع ومحطات تغدق عليها السفارة الأميريكية من خيراتها، ومقابل تشويه صورة المقاومة ومحاولة إبراز فتات "شيعي الطائفة" كرأي آخر يعادي نهج المقاومة. لا يتمتع هؤلاء بأية كفاءة تخولهم ما يدّعون امتهانه، ويكاد المرء يتصور أن السفارة الاميريكية تمرر من حين إلى آخر إعلاناً في صحيفة مبوبة: مطلوب "شيعي" للعمل في الصحافة. الخبرة والشهادة غير ضروريتين. المعاش مغرِ!


 
ويبدو أن كثيرين غرر بهم  هذا الإعلان وفضلوا هذا العمل على جلوسهم المطوّل على قارعة الطرق. طبعاً، فهؤلاء الذين لم يجدوا مهنة شريفة يعتاشون منها، توزعوا على مجالات العمل المشبوه التي تتنوع بين الدعارة، والاتجار بالمخدرات، والاستكتاب لدى عوكر. بينهم اسماء لمعت أو جرى تلميعها حتى بدت كبالونات محشوة بهواء نتن، يتركه المرء محلقاً كي لا ينفجر ويثير الاشمئزاز في بيئة عرفت بأنها بيئة "أشرف الناس".
 
 
يتباهون في السكن في قلب الضاحية مدعين أن فعلهم هذا عمل بطولي وأنهم يتحدون الصعاب التي تفرضها "ديكتاتورية" حزب الله عسى  الرقم الذي يتقاضونه يزيد  صفراً. وهم أكثر العارفين أن لحزب الله ألف قضية أهم من التضييق عليهم, وألف جبهة أهم من افتعال مشكلة معهم. لذلك يعمدون إلى اختلاق معارك وهمية عسى عنصر من حزب الله يرد عليهم. طال انتظارهم وسيطول طبعاً. عرفنا في القرى مثلاً شعبياً يقول ما معناه إن التعرض بالأرجل للقمامة يجعل رائحتها فواحة.
 
 
كلّف مجموع هؤلاء السفارة الاميريكية 500 مليون دولار توزعت على جمعيات واسماء عديدة للهدف ذاته: تشويه سمعة المقاومة وأبنائها. ويبدو أن هذا المبلغ قد ذهب هباء، تماماً ككل الاحاديث والمقالات والتقارير التشويهية الفارغة التي أتحفونا بها وتناقلها الناس كنكات على مواقع التواصل الاجتماعي.
 
 
وبعد، يدرك هؤلاء أن ميزتهم الوحيدة هي أنهم شيعة، هؤلاء الذين بمعظمهم حرمهم التحرير من العمالة المباشرة لإسرائيل, أوجدت لهم عوكر حلاً بديلاً... هؤلاء هم شيعة السفارة!