عندما يتحدث الرئيس نبيه بري عن أن لا تطور ملموساً حيال وضع قانون جديد للانتخاب، يقرن تخوفه هذا بعبارة لازمة بات يسمعها زائروه: ان لا نصل الى نيسان من دون ان نكون توصلنا اليه. لم يعد لديه سوى ان ينتظر فحسب

 
بانقضاء شباط ودخول آذار، تكون أهدرت المهلة القانونية المحددة ثلاثة اشهر لصدور مرسوم دعوة الهيئات الناخبة. ما بين منتصف نيسان ومنتصف حزيران تدخل البلاد المهلة الدستورية المنصوص عليها في المادة 42 ــ وهي ستون يوماً ــ لإجراء الانتخابات النيابية. بذلك يحمل كلام الرئيس نبيه بري مغزى يبرر قلقه، ويمسي البرلمان وجهاً لوجه امام الفراغ الكامل، اذا كان لا بد من الاخذ في الاعتبار ان المشكلة أضحت ــ بإزاء استمرار مأزق تعذّر التفاهم على قانون جديد للانتخاب ــ أمام أحد خيارين: تمديد غير تقني للبرلمان ما دام التمديد التقني مرتبطاً بالاتفاق على قانون جديد، أو الفراغ.
 
يلتقي رئيسا الجمهورية ومجلس النواب على رفض القانون النافذ وتمديد الولاية، ويختلفان على تفسير المرحلة التالية الاكثر خطورة: الفراغ. خلافاً لرئاسة الجمهورية التي يشغر منصبها ما يغادره الرئيس من غير ان تقع الصلاحيات في فراغ بل تذهب الى مجلس الوزراء وكالة، فإن انقضاء ولاية مجلس النواب، في اليوم الاخير في ولاية السنوات الاربع، يذهب به الى فراغ كامل لا الى شغور. في جانب من جدل دستوري وسياسي دائر، غير محسوم تماماً، لا يتبقى من مجلس انتهت ولايته سوى هيئة مكتبه، برئيسها رئيس المجلس ونائبه واعضائها الخمسة، إذ لا يسعهم إذذاك سوى ان يوقعوا معاملات مرتبطة بملاك موظفي المجلس ورواتبهم والاعمال الادارية التي تتطلب تسييراً يومياً. ما يعنيه ذلك ان ملاك الموظفين ــ وليس البرلمان كهيئة مشترعة ــ هو المرفق الذي يقتضي تسييره الى حين انتخاب برلمان جديد تبعاً لوجهة النظر هذه. عدا ذلك يسبح في فراغ: ليس لهيئة المكتب وضع جدول اعمال، ولا للمجلس واللجان الالتئام. تقفل الابواب ويصبح النواب الحاليون سابقين.
تطرقت الى ما تصبح عليه هيئة مكتب المجلس مراجعة للدكتور إدمون رباط رداً على اسئلة وجهها اليه الرئيس السابق للمجلس السيد حسين الحسيني في 30 ايلول 1987 حيال تعذر انتخاب رئيس للمجلس في المهلة الدستورية المحددة ــ في دستور ما قبل اتفاق الطائف ــ في تشرين الاول من كل سنة، لولاية تستمر سنة واحدة وهيئة مكتبه. حينذاك كان البرلمان في ظل ولايته القانونية، المنفصلة عن الولاية المنتهية لرئيسه ونائبه وهيئة مكتبه. على ان تعذر التئام النواب لانتخابهم لسنة ــ من فرط تفاقم الخلاف السياسي ــ حمل الحسيني على توجيه اسئلته.
في 5 تشرين الاول 1987 اجاب رباط عن السؤال الثالث حيال "خضوع مجلس النواب، أسوة بسائر إدارات الدولة ومؤسساتها الادارية والدستورية، لوجوب استمرارها وأداء وظائفها كاملة". لم تشر مراجعة رباط الى ولاية المجلس، اذ لم يكن يشوبها عيب قانوني، شأن ما ينتظر ولاية المجلس الحالي في الساعة الصفر من 20 حزيران ما لم يصر الى انتخاب خلف له او تمدد الولاية الحالية الممددة في الاصل.
قالت مراجعة رباط: "هنا يبرز السؤال: إذا لم يكتمل النصاب في الجلسة المحدد موعدها في المادة 32، ماذا يكون مصير رئاسة المجلس ومكتبه المنتخب لمدة سنة واحدة فقط كما تنص المادة 44؟ الرئاسة والمكتب مضطران الى ان يبقيا مستمرين في تعاطي شؤون المجلس رغم انقضاء مهلة السنة التي تم من اجلها انتخابهما، وذلك عملاً بمبدأ استمرار الدولة ومؤسساتها واداراتها كلها. يقتضي عليهما عندئذ المثابرة على دعوة النواب مرة اولى وثانية وثالثة والى ما لا نهاية من الايام والمواعيد، الى ان يشعر ممثلو الشعب بأن واجبهم الاقدس انما هو في تمثيل هذا الشعب، هذا التمثيل الذي يتجلى في اخطر مظاهره ووظائفه، ألا وهي حضور جلساته. لا يعقل الرد على ذلك بأنه طالما أن فترة السنة التي من اجلها كان قد تم انتخاب رئيس المجلس ومكتبه قد انقضت، لم يعد لاستمرارهما في هاتين الوظيفتين من اساس شرعي، وذلك:
اولاً ــ كما سبقت ملاحظته لأن للضرورة مبرراتها، وانه لا يمكن التصوّر بأن البرلمان برمته يصبح مشلولاً، بل منعدماً لأن اعضاءه قد احجموا عن الحضور في الجلسة الاولى وفي الجلسات التالية، لا سيما وان ثمة ادارة في المجلس من موظفين ومكاتب ومخابرات ومرتبات الخ... يقتضي تأمين سيرها وتلبية حاجاتها.
ثانياً ــ لأن هذا الحل ــ أي بقاء الرئاسة والمجلس في موقعيهما انصياعاً لحاجات المجلس ــ هو الحل الوحيد للاشكال، مع الاشارة الى أن الاستعاضة عنهما برئيس ومكتب السن المحددة شروطهما في المادة 44 من الدستور يستحيل حدوثها منطقاً وبالتالي دستورياً، لأن ظهور كيانهما مرتبط ارتباطاً وثيقاً بانعقاد الجلسة بنصابها الدستوري (...) الامر الذي يبقي الحال السابقة على ما هي عليه حفاظاً على المصلحة العامة. هذا الحفاظ الذي يعبّر عنه مبدأ استمرار الدولة ومؤسساتها واداراتها خير تعبير".
ما رمت اليه مراجعة رباط ــ وإن اجتهدت في دستور تغيّر عدد وافر من احكامه ــ استخلاص ملاحظات ذات دلالة قد تمثل قياساً دستورياً صالحاً في مقاربة مشكلة مماثلة، وإن تبعاً لاحكام مغايرة:
أولها، ما دامت ولاية المجلس قانونية يقتضي ان لا يشغر منصب الرئيس ونائبه وهيئة المكتب لسببين وجيهين على الاقل: توجيه الدعوات المتتالية لانتخاب الرئيس وهيئة مكتبه، والاشراف على ادارات مجلس النواب وانتظام عمل ملاكه. ذلك في الدستور السابق. الا ان دستور الطائف استدرك الثغرة بجعل ولاية رئيس المجلس ونائبه والمجلس متلازمة، بينما يجدد انتخاب هيئة المكتب سنوياً.
ثانيها، لأن انتخاب رئيس المجلس وهيئة المكتب منفصل عن ولاية المجلس (في الدستور السابق)، أَولى الأهمية القصوى لاستمرار عمل البرلمان من ضمن المفاعيل الدستورية والقانونية لولايته.
ثالثها، ما نصت عليه المادة 55 من الدستور المنبثق من الطائف عن أن استمرار عمل هيئة مكتب المجلس في تصريف الاعمال يقتصر على جوهر ما تتناوله المادة وهو حل البرلمان، ومن ثم تعذر انتخاب خلف له. تحدد المادة 55 معطوفة على المادة 25 مهلة إجراء الانتخابات بأشهر ثلاثة، والمهلة الملزمة للاجتماع الاول للمجلس المنتخب في الايام الـ15 الاولى. في المرحلة الانتقالية ما بين إصدار رئيس الجمهورية مرسوم الحل وتعذر إجراء الانتخابات ومن ثم اعتبار المرسوم باطلاً، تثابر هيئة المكتب على تصريف الاعمال ريثما ينتخب المجلس الجديد او يعاد احياء المجلس الحالي.
ليس ثمة ذكر آخر لحال اخرى لتصريف الاعمال منوطة بهيئة مكتب المجلس. وبالتأكيد لا يتوقع الدستور فراغاً في ولاية برلمان تنتهي ولايته ولا ينتخب آخر سواه.
قد يكون فات ان المادة 55 المعدلة، شأن الفقرة الثالثة من المادة 49، مدينة بوضعها للرئيس ميشال عون كي لا تتكرر سابقة حل مجلس النواب على نحو ما فعل الرابعة فجر 5 تشرين الثاني 1989، دونما الدعوة الى اجراء انتخابات نيابية عامة. أتت الفقرتان الثانية والثالثة في المادة، غير المسبوقتين في دستور ما قبل الطائف، كي تستدركا حل مجلس النواب دونما انتخاب خلف له، وكي تحافظا على ادارة ملاك المجلس وانتظامه اليومي ما ان يسلم النواب مفاتيح مكاتبهم وارقام لوحاتهم اليه.
ذلك امر وانتهاء الولاية امر مختلف.